بعد قرار الخطبة الموحدة الذي اعتبره الكثيرون مصادرة وتأميما للمساجد، ألزمت وزارة الأوقاف بحكومة الانقلاب جميع الأئمة بقراءة خطبة الجمعة «مكتوبة» من ورقة على المنبر، وقالت الوزارة إنها شكلت لجنة علمية لصياغة موضوعات الخطبة بما يتوافق مع روح العصر. وبررت «الأوقاف» القرار بأن بعض الخطباء لا يملكون أنفسهم على المنبر سواء بالإطالة أو بالخروج عن الموضوع إلى موضوعات أو جزئيات متناثرة لا علاقة لها بالموضوع، وهناك آخرون يتطرقون لأمور سياسية أو حزبية لا علاقة لها بمضمون الخطبة. وقالت فى بيان لها أول من أمس: «يمكن لمديريات الأوقاف أن تقدم كشفًا بأسماء الخطباء المتميزين الذين يمكن السماح لهم بأداء الخطبة الموحدة ارتجالاً بعد موافقة القطاع الدينى بالوزارة».
قرار أمني وغضب بين الأئمة
بحسب مصادر مطلعة بالوزارة فإن وزير الأوقاف طلب من وكلاء المديريات تنفيذ القرار، والتنبيه على الجميع بالالتزام بالقرار، وهددهم بالحرمان من كادر الأئمة وقيمته «700 جنيه» لمن يخالف، مشيرة إلى أن هناك ثورة غضب بين مديرى المديريات أنفسهم فضلاً عن الأئمة، حيث إن القرار يعد تجميدا للإمام واجتهاده ويحوله لمجرد مؤدٍ. وأكدت المصادر أن «الأوقاف» إن كانت تسعى لتقليد ما يحدث فى «الحرمين الشريفين»، فالأمر يختلف فى مصر تماماً، كما أن الإمام هو من يكتب خطبته بنفسه، ويفعل ذلك لفداحة الخطأ فى الحرمين. من جانبها، شنت نقابة الدعاة هجوما على وزير الأوقاف، بسبب ما سمته «السياسات القمعية لتكميم أفواه الأئمة».
وقال الشيخ محمد عثمان البسطويسى، نقيب الدعاة، في تصريحات صحفية إن وزير الأوقاف حول «الإمام» فى مصر إلى آلة متحركة يحركها كيفما شاء. وأكد الشيخ عادل بدوى، أمين عام نقابة الدعاة ونقيب الغربية، إن الدكتور «جمعة» لو بقى عاماً آخر فلن يكون هناك إمام واحد أو داعية يصلح للعمل بالأوقاف، فالوزير كل ما يهمه هو تطبيق الخطبة الموحدة التى ثبت فشلها فشلا ذريعا، وأبعدتنا عن الناس والقصد منها «أمنى بحت»، ولإثبات الوجاهة الإعلامية للوزير، الذى يريد أن يخاطب وسائل الإعلام على حساب المواطنين.
وقال الشيخ يوسف شلتح، نقيب كفر الشيخ، إن القرار سيحول الأئمة إلى مجرد ديكورات، وسيثبت أن الدعاة فى مصر لا يصلحون للخطابة.
جمعة: القرار ليس سياسيًّا
من جانبه دافع الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف بحكومة الانقلاب عن نفسه ، زاعما أن قرار توحيد الخطبة المكتوبة ليس سياسيًا على الإطلاق، وإنما هدفه "صياغة الفكر المستنير بصورة علمية ومنهجية".
وأوضح الوزير ، في تصريحات صحفية، الاثنين، أنه سيعقد لقاءات متتابعة مع القيادات الدعوية وجموع الأئمة لشرح الفكرة وبيان أهميتها، وأنه سيكون أول من يبدأ بتنفيذها.
وفي حال تطبيق قرار «الورقة الموحدة» فإن الوزارة ستوزع ورقة مطبوعة بها موضوع واحد لتوزيعه على جميع الخطباء على مستوى الجمهورية.
وسادت حالة من الاستياء بين خطباء المساجد بمحافظة الدقهلية عقب تسرب أنباء عن قرب تطبيق القرار، وانتقد عدد منهم القرار، مؤكدين أنه سيقتل الإبداع لدى الخطباء.
وقال أحد الخطباء، الذي فضل عدم ذكر اسمه: «يا وزير الأوقاف اتق الله أنك ستقتل فينا الإبداع وستجعل الخطبة عبارة عن موجز للأنباء يتلوه أي إنسان يجيد القراءة».
اجتماع لتنفيذ القرار
ويعقد مختار جمعة، غدًا الثلاثاء بديوان عام الوزارة اجتماعًا مع وكلاء الوزارة على مستوى الجمهورية لشرح فكرة وآليات تنفيذ الخطبة المكتوبة.
بدورهم قابل أئمة الأوقاف قرار الخطبة المكتوبة بالرفض، معتبرينه إهانة وقتل للإبداع ومحو لشخصية الإمام وضياع ما تبقى من كرامته وسط جمهوره، مؤكدين أنه لن يكون هناك فارق بين الإمام والعامل بعد ذلك، متسائلين عن كيفية تعامل وزارة الأوقاف مع الأئمة المكفوفين في حالة تطبيقه.
السيسي وراء القرار
وبحسب مراقبين فإن عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب هو من يقف وراء القرار وما مختار جمعة سوى سكرتير ينفذ الأوامر مستدلين على ذلك بأن الوزير خرج بالقرار أمس الأحد بعد اجتماع السيسي به بساعات قليلة.
وكان السفير علاء يوسف، المُتحدث الرسمي باِسم رئاسة الانقلاب، صرح بأن وزير الأوقاف عرض خلال الاجتماع خطة الوزارة في المجال الدعوي، خاصة فيما يتعلق بإعداد وتأهيل الأئمة من خلال برامج تأهيل وصفها بالمتميزة .
وأضاف «يوسف» أن «وزير الأوقاف عرض أيضاً وضع استراتيجية لإعادة صياغة ورفع مستوى الفهم الديني الصحيح المستنير من خلال خطة دعوية تتم على مرحلتين، الأولي قصيرة المدى لمدة عام، والثانية متوسطة المدى لمدة خمسة أعوام بما يكفل الوصول بالمنهج الإسلامي الوسطي السمح إلى كل المسلمين في مصر والمنطقة العربية والعالم الإسلامي»، مُشيراً إلى أن «تلك الجهود تأتي بهدف تصحيح الصور والمفاهيم الخاطئة التي ارتسمت في الأذهان نتيجة تصرفات وسلوكيات خاطئة يقوم بها البعض نتيجة عدم فهمهم لصحيح الدين».
وخلال اللقاء أكد السيسي على دعمه الكامل لوزارة الأوقاف، وكل ما يتصل بإعداد وتأهيل الأئمة وتوفير سُبل الدعم الكافية لذلك. وبعد اللقاء مباشرة خرج مختار جمعة لينفذ فورا تعليمات السيسي التي تسهم في مصادرة المساجد وتكميم أفواه الأئمة بعد قرار الخطبة الموحدة وسيطرة الأجهزة الأمنية على كل مساجد الجمهورية من خلال سيطرتها الكاملة على وزارة الأوقاف ووزيرها الأمنجي.