رأى محللون اقتصاديون أن تصريحات محافظ البنك المركزى، أمس الأحد، بشأن سعر صرف العملة المحلية، تُمهّد الطريق لخفض جديد لقيمة الجنيه، وأكدوا أن اتباع سياسة مرنة تجاه العملة أمر مطلوب فى ظل اتساع الفجوة بين السوقين الرسمية والموازية، مع نقص الموارد الدولارية، غير أنهم شددوا على أن ذلك الأمر يجب أن يصاحبه برنامج إصلاحى، وإلا سنجنى الأثر السلبى فقط دون جذب استثمارات أو نقد أجنبى. وحسب جريدة "المال"، فقد قال طارق عامر محافظ البنك المركزى، إن استهداف سعر العملة بغرض الحفاظ عليه كان «خطأ فادحًا»، وكلف الدولة مليارات الدولارات فى السنوات الخمس الماضية، وتابع: «مصر حصلت على قروض ومساعدات وودائع بنحو 22.5 مليار دولار منذ ثورة يناير أغلبها ضاع بسبب استهداف سعر الصرف». يشار إلى أن سعر الجنيه شهد تراجعا بنسبة %12.3 خلال فترة مجلس إدارة البنك المركزى السابق برئاسة هشام رامز، بينما بلغ التراجع نحو %14 خلال الشهور ال6 الأولى من فترة مجلس الإدارة الحالى برئاسة طارق عامر، ويتداول الدولار فى السوق الموازية حاليا بنحو 11 جنيها، فى حين يبلغ سعره بالسوق الرسمية نحو 8.88 جنيهات. وشهدت معدلات التضخم ارتفاعاً غير مسبوق عقب موجة خفض الجنيه الأخيرة، وسجل الرقم القياسى لأسعار المستهلكين الذى أعلنه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء زيادة شهرية قدرها %3.05 خلال مايو مقابل ارتفاع نسبته %1.27 فى إبريل، بينما قفز المعدل السنوى إلى %12.3 فى مايو مقابل %10.3 فى إبريل. قال أحمد شمس، رئيس قسم البحوث بشركة المجموعة المالية هيرميس،فى تصريحات صحفية اليوم إن وجود سعر صرف أعلى من الحقيقى يعد بالتأكيد بمثابة دعم للأغنياء، كما ألمح محافظ المركزى، مضيفاً أنه عندما حدث نقص فى الدولار دفعت الصناعات الصغيرة والمتوسطة الثمن، لأنها كانت تحصل على العملة الخضراء من السوق الموازية بأعلى من السعر الرسمى. وقال هانى جنينة، رئيس قطاع الأسهم بشركة «بلتون» ،فى تصريحات له إن تصريحات «عامر» تشير إلى خفض أكيد لسعر الجنيه خلال الفترة المقبلة، ليتراوح بين 9 و9.30 جنيه بنهاية العام الحالى. وأضاف جنينة أن هذا التوجه من شأنه إرساء سياسة صرف أكثر مرونة مع التحرك الجزئى لسعر الصرف المرتقب فى الفترة المقبلة، متوقعاً تحريرا كاملا لسعر الصرف مع بداية العام المقبل، بما يتمشى مع الإجراءات والاشتراطات التى يتطلبها الاقتراض من صندوق النقد الدولى، والتى تتضمن إصلاحات اقتصادية معينة يظهر مردودها على فئة كبيرة من المجتمع. وكانت شبكة بلومبرج الأمريكية، قد أفردت تقريرا اليوم الاثنين، حول تلميح طارق عامر رئيس البنك المركزي باتخاذ قرار لخفض جديد لقيمة الجنيه المصري. وأشارت بلومبرج إلى أن الموعد المقبل لخفض قيمة الجنيه يعتمد على قدرة البنك المركزي على ضخ عملة أجنبية داخل السوق في أعقاب القرار، حسب ريهام الدسوقي، الاقتصادية البارزة في "أرقام كابيتال".
ومضت تقول: "بمجرد وجود كمية كافية من الدولارات لإدارة تلك الخطوة بالشكل الملائم، سيتخذ البنك المركزي قرار التخفيض، وقد يحدث ذلك خلال شهر أو اثنين". وأشارت بلومبرج إلى أن البنك المركزي اتخذ خطوات لتخفيف القيود على صفقات الدولار منذ تقلد عامر سلطة البنك المركزي الذي اتخذ قرار في 14 مارس الماضي بتخفيض قيمة الجنيه.
وقال إن القرار جاء بعد ملاحظة سحب مئات الملايين من الدولارات عند استخدام البطاقات في الخارج، ما يشير إلى وجود تلاعب واستخدام مبالغ فيه من البعض في أغراض مختلفة عن السفر والسياحة، واستخدامها في أمور تجارية، لكنه أضاف أن بطاقات الخصم بالعملة الأجنبية ما زالت سارية ولكن محددة بمبلغ سنوي لا يتجاوز 100 ألف دولار. وبعد تلك التصريحات لرئيس البنك المركزي، حدث ضغط على سوق الصرف والقطاع المصرفي معاً، حيث سارع البعض لشراء الدولار لأغراض السفر أو العلاج في الخارج أو التسوق، خاصة أن البطاقات التي بحوزتهم لن تكون ذات فائدة بعد ذلك، إذ سيقتصر التعامل بها على داخل مصر وليس في الخارج. بعدها خرج العديد من المسئولين لينفوا تطبيق القرار، مؤكدين أنه لا وجود لقرار مُلزم من قبل البنك المركزي، بل الأمر لا يتعدى توجيهًا منه لمراقبة سوء استخدام العملاء لبطاقات الخصم، وفقًا لإجراءات كل بنك، وإيقاف بطاقات المتلاعبين. وأكد البنك المركزي أنه لا تغيير في استخدام بطاقات الخصم الصادرة بالعملة المحلية خارج البلاد. إغلاق شركات الصرافة خطأ وتتمثل مصادر العملة الصعبة ذات الأهمية للبلاد في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وإيرادات قطاع السياحة ورسوم عبور قناة السويس، وتحويلات العاملين المصريين بالخارج، وإيرادات الصادرات، وبعض تلك القطاعات تأثرت بالفعل على مدار السنوات الماضية نتيجة الاضطرابات، خاصة قطاعي الاستثمارات والسياحة. فيما كشفت مصدر مسئول بالبنك المركزي - رفض الإفصاح عن اسمه - ل"هافينجتون بوست عربي"، إن البنك اتخذ العديد من الإجراءات خلال الفترة الماضية للحفاظ على سعر الجنيه ، منها إغلاق نحو 20 شركة للصرافة، بسبب مخالفات متعلقة بسعر الصرف، وعدم التزامها بالأسعار المعلنة والتعامل بأسعار السوق غير الرسمية. لكن خطوة إغلاق شركات الصرافة في أغلب الأحوال لا تحقق النجاح الكامل، حيث يحول أصحاب الشركة أعمالهم وتعاملاتهم إلى مكاتب غير مرخصة، إضافة إلى وجود "تجار العملة" غير المرخصين من الأساس في الشارع المصري، الذين يعدون السبب الرئيسي في انتشار الدولار بسعره المرتفع بالسوق السوداء. متابعات تفتيشية وأضاف المصدر فى تصريحات اليوم ، أن "هناك متابعات تفتيشية ميدانية تتم من قبل البنك لمتابعة الأسواق، ما أسفر عن ضبط الكثير من المخالفين"، مشيراً إلى ضخ ما يزيد على 15 مليار دولار عطاءات خلال الشهور الأربعة الأخيرة، لتدبير احتياجات التجار ومستوردي المواد الغذائية والدوائية. وكان البنك المركزي يخطط لتقنين "استخدام بطاقات الخصم المباشر خارج البلاد"، لضبط تلاعب الكثير من العملاء، إلا أن القرار تسبب في حدوث ارتباك بين المتعاملين مع البنوك، خاصة حائزي البطاقات البلاستيكية سواء التي تسمح بالخصم أو الائتمان، ما جعل البنك يوقف القرار فورًا لحين ضبط السوق. وتداولت العديد من وسائل الإعلام العالمية والمحلية خلال اليومين الماضيين تصريحات لرئيس البنك المركزي طارق عامر، بأن البنك طالب البنوك العاملة في مصر بمراقبة وتنظيم استخدام بطاقات الدفع خارج البلاد؛ لأنه حدث سوء استخدام من المضاربين في بطاقات الخصم المباشر بالجنيه المصري "Debit Cards". وأوضح عامر أن "القرار يتعلق بإلغاء البطاقات فقط لهؤلاء الذين أساءوا الاستخدام في المضاربة على العملة، أما بطاقات الائتمان Credit Cards فلا تغيير لأن لها حدوداً من الأصل". خطأ فادح وقال أحمد قورة، الخبير المصرفي رئيس مجلس إدارة البنك الوطني المصري السابق، ل"هافينجتون بوست عربي"، إن أكبر خطأ يتخذه البنك المركزي لضبط السوق هو إغلاق شركات الصرافة، موضحاً أن أصحابها سيتوجهون للبيع خارج المكاتب الرسمية لأن معظمهم في الأساس كانوا تجار عملة. وبعد أن كان يحدث تلاعب بسيط في المكاتب المرخصة سيؤدى قرار إغلاق المكاتب إلى جعل كل التحويلات بعيدة عن أعين الرقابة، ما يزيد من تعقيد الأزمة. وشدد قورة على أنه لا يجب تحميل الأزمة لأصحاب شركات الصرافة وحدهم؛ لأن من يحكم السوق في الحقيقة عملية العرض والطلب على الدولار، مطالباً الدولة بتحسين موارد ضخ العملات الأجنبية من خلال السياحة والاستثمار، وإغراء المصريين المتواجدين بالخارج وطمأنتهم لتحسين عمليات التحويل، وعدم الاكتفاء بالاعتماد على المعونات. وأوضح أن تجاهل الحكومة للخبرات واعتمادها على مؤهلات اقتصادية لا علاقة لها بالصرف والبنوك أكبر سبب للأزمة، متوقعاً وصول الدولار ل20 جنيهاً وأكثر حال استمرار الدولة في سياستها. ارتباك السوق وتساءل مصطفى عبدالسلام، الكاتب الصحفي والمحلل الاقتصادي: "ما معنى أن يصدر البنك المركزي المصري قراراً أو حتى توجيهات ثم يتراجع عنها في اليوم التالي عندما تأتيه ردود فعل عنيفة من السوق ربما لم يتوقعها؟". وأضاف عبدالسلام في مقال له: "الحكاية تتلخص في أن القطاع المصرفي المصري شهد في اليومين الماضيين حالة ارتباك شديدة إثر نشر وسائل إعلام، منها رويترز، خبراً تحت عنوان "مصر توقف استخدام بطاقات الخصم المباشر خارج البلاد"، وعقب نشر الخبر على نطاق واسع ثار قلق شديد بين المتعاملين مع البنوك خاصة حائزي البطاقات البلاستيكية سواء الخصم أو الائتمان.