كشف الكاتب الصحفي عامر عبد المنعم، عن أنه بعد رفض السلطان عبدالحميد بيع فلسطين لليهود كوطن قومي، بحث الصهاينة عن وطن بديل، فقرر هرتزل استيطان سيناء كوطن مؤقت، يستوعب المهاجرين اليهود لحين تبدل الظروف في فلسطين، فتفاوض هو والثري اليهودي روتشيلد سرًّا مع الحكومة البريطانية لتأجير سيناء لمدة 99 عاما، فحصل على موافقة مبدئية وطلبوا منه التفاهم مع كرومر الحاكم الإنجليزي لمصر. وأضاف عبدالمنعم -خلال مقاله ب"الجزيرة مباشر" اليوم الخميس- أنه بالاتفاق مع وزير المستعمرات البريطاني جوزيف تشمبرلين والمعتمد البريطاني اللورد كرومر ورئيس الوزراء المصري بطرس غالي أرسل هرتزل بعثة صهيونية إلى مصر تتكون من زعماء الحركة الصهيونية وخبراء يهود برئاسة الصحفي الصهيوني جاكوب جرينبرج، وانطلقت البعثة لمعاينة سيناء في 11 فبراير وانتهت في 25 مارس 1903، ودرست كل شيء وأصدرت تقريرا ملخصه الآتي: أولا: حدود المستعمرة تبدأ من فلسطين شرقا إلى القناة وخليج السويس غربا، ومن شاطئ البحر الأبيض شمالا، إلى خط عرض 29 جنوبا في نهاية مساقط مياه وادي العريش ومرتفعات التيه، وهذا الخط يمتد من أبو زنيمة على خليج السويس إلى نويبع على خليج العقبة. ثانيا: مطلوب توصيل مياه النيل إلى سيناء من الإسماعيلية. ثالثا: التأكيد على قلة عدد سكان سيناء للإيحاء بأنها أرض بلا صاحب. وتقدم هرتزل بمشروع الاتفاقية التي أراد بها التعاقد مع الحكومة المصرية للحصول على امتياز الاستيطان في شبه جزيرة سيناء وكان ملخصها كالتالي: أولا: تمنح الحكومة المصرية هرتزل أو الشركة التي يؤسسها الحق في استعمار المستوطنة بعقد امتياز لمدة 99 عاما. ثانيا: تتعهد الحكومة المصرية بتوصيل المياه إلى سيناء. ثالثا: بالنسبة للمثلث الجنوبي لا تتصرف فيه الحكومة إلا بالتشاور مع الإدارة الصهيونية للمستوطنة. وربط كرومر موافقته برد وكيل نظارة الأشغال السير ويليام جارستن، الذي جاء رده في 5 مايو 1903 بالرفض بناء على الآتي: 1- صعوبة نقل المياه من خلال 8 أنابيب قطر كل منها متران في هذا الوقت لأسباب فنية. 2- التأثير السلبي للمشروع على مشروعات الزراعة المصرية بالوادي، خاصة محصول القطن الحيوي للصناعة الإنجليزية. تعلل كرومر بمذكرة جارستن، لكن هناك أسبابا أخرى جعلت الإنجليز يجمدون المشروع، منها الاستعداد للحرب العالمية الأولى والتوافق بين إنجلترا وفرنسا على تقسيم تركة الدولة العثمانية ومنها فلسطين. وكشف عبد المنعم عن سر "خط عرض 29"، الذي لفت أنظارنا إلى إحياء مشروع هرتزل هو الإصرار على وضع خط تقسيم إداري على الخط ذاته، الذي قرره مشروع هرتزل، وهو خط العرض 29، من خلال مشروع التقسيم الإداري الجديد للمحافظات المصرية الذي أعلنه عبدالفتاح السيسي في أثناء ترشحه لانتخابات الرئاسة. ففي هذا التقسيم الإداري تقرر اختراع محافظة جديدة باسم وسط سيناء بغير ضرورة أو أسباب مقنعة، وعدم الاكتفاء بالتقسيم الحالي الذي يقسم سيناء إلى شمال وجنوب، "وقد كتبنا من قبل حول المثلث الجنوبي الذي يخضع لسيطرة دير سانت كاترين، الذي لم يعد للدولة المِصْرية أي سيطرة فعلية عليه غير مساحات محدودة في الشريط الساحلي". وقال إنه مع صعوبة التنفيذ الكامل لمشروع المحافظات لأسباب مالية وإدارية أعلنت الحكومة عن تنفيذ 3 محافظات فقط؛ وهي وسط سيناء والعلمين والواحات، وهي الهدف الأساسي من المشروع كله، موضحًا خطورة هذا التقسيم، وأنه تنفيذ لمخطط برنارد لويس لتقسيم مِصْر، ولكن ما يجري في سيناء من تطورات سريعة ومتلاحقة أبعد مما كنا نتصور، وهو تنفيذ "حلم هرتزل" الذي لم يمت بموته. وتابع: "مع إعادة قراءة الاستراتيجيات الغربية والصهيونية في سيناء تبين لنا أن تقسيم سيناء وفق خط عرض 29 يبدو أنه يحظى بتوافق دولي لتقسيم شبه الجزيرة بين رهبان اليونان المدعومين من روسيا، لإقامة فاتيكان للأرثوذكس في المثلث الجنوبي، وبين الصهاينة الذين يريدون السيطرة على معظم سيناء، تبدأ من صحراء التيه التي لها رمزية في التاريخ اليهودي، وباعتبارها جزءًا من مشروع إسرائيل الكبرى المزعوم". سحارة سرابيوم وتوصيل مياه النيل وأوضح عامر عبدالمنعم أن التسرع بتوصيل مياه النيل إلى سيناء من المكان ذاته، الذي طلبه هرتزل في ظروف غير منطقية ليؤكد أن هناك إصرارًا على التنفيذ بأسرع ما يمكن. ففي أثناء شق تفريعة قناة السويس الجديدة كان هناك عملٌ دءوبٌ، يصل الليل بالنهار لسرعة الانتهاء من سحارة سرابيوم لنقل الماء من ترعة الإسماعيلية إلى شرق القناة. وتتكون السحارة من 4 مواسير قطر الواحدة متران، وكان من المفترض أن يبدأ ضخ الماء شهر مارس 2016، ثم تأجل إلى شهر إبريل ليتم افتتاحها ضمن مشروعات أخرى ليبدو الأمر وكأن هناك مشروعات تنموية، بينما في الحقيقة، لا يوجد أي تصور تنموي حقيقي معلن، ولا يوجد مشروع إنتاجي واحد يوفر الإقناع اللازم بضخ المياه في هذا التوقيت ونحن على أبواب العطش. ولفت إلى أن الإصرار على ضخ الماء لسيناء في الوقت الحالي يناقض الواقع؛ فنهر النيل سيجف عند اكتمال بناء السد الإثيوبي، ولن تصل مياه الفيضان السنوية التي تخزن في بحيرة ناصر؛ لأن التخزين سيكون في إثيوبيا، وهذا يعني أن السد العالي سيكون خارج الخدمة، ومعه البحيرة أيضا، وكان من المنطقي أن تبحث الحكومة في كيفية مواجهة الكارثة المتوقعة لا أن تتوسع في مشروعات لنقل المياه إلى الفراغ. وقال: "عندما وافق عبدالفتاح السيسي على بناء السد الإثيوبي الذي سيتسبب في تعطيش مِصْر والتسليم للإثيوبيين بلا مبرر، ثم تشييد بنية أساسية لنقل المياه إلى سيناء فهمنا أنه يريد التهيئة الشعبية لنقل المياه للكيان الصهيوني، وتنفيذ ما عجز الرئيس الأسبق أنور السادات عن تنفيذه عندما أعلن عن توصيل مياه النيل لصحراء النقب والقدس من خلال ترعة السلام، لكن مع الدعوة الأخيرة بإخلاء شمال سيناء من السكان التي ظهر منها توجيه مقصود ومنظم أن الأمر أبعد من هذا، وأن الماء ليس للمصريين، وإلا من أجل من يضخ الماء إذا كان السكان سيطردون؟!".