من المؤكد أن قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي سوف يهيمن على برلمان "الدم" القادم، والنتيجة شبه المؤكدة هي تكوين برلمان مؤيد "للسيسي"، يقر المراسيم والقوانين التي أصدرها، أو تلك التي يرفع سماعة الهاتف ويأمر بتشريعها والموافقة عليها، وكما يقول مراقبون أن النواب في مجموعهم أشبه بما كان يؤديه "محفوظ عبد الدايم" في القاهرة 30. ويعتبر أحد أهم المهام للبرلمان القادم هو النظر في القوانين التي أقرت في غيابه، خلال 14 يومًا فقط من تشكيله، وعلى رأسها قوانين مكافحة الإرهاب، ومحاكمة المدنيين عسكريا، ومنح السيسي صلاحيات إقالة الطلبة والموظفين في الدولة. ومع قرب بدء الجولة الثانية وانتهاء مسرحية الانتخابات، يحظى برلمان "الدم" تلك المرة بإعلانات ولافتات قليلة ومتباعدة؛ حيث يخوض سباق الانتخابات حوالي نصف عدد المرشحين في الانتخابات التي تلت الثورة في 2011، وهم 5400 نائب على 568 مقعدًا، فهل باتت هيمنة السيسي على برلمان طبخه بنفسه واقعًا لا مفر منه؟! لا تجادل السيسي يحظر على نائب البرلمان القادم، توجيه أي انتقاد لأي تشريع أصدره السيسي في غياب البرلمان؛ حيث انتقدت دراسة قانونية صادرة في القاهرة، فوضى التشريعات القانونية في غيبة السلطة التشريعية، بعد انقلاب 30 يونيو 2013، مؤكدة أنها تشريعات انتصرت للفساد وقمعت الحقوق والحريات. واستنكرت مبادرة الحقوق الشخصية توسع قائد الانقلاب في إصدار القوانين، التي وصلت إلى أكثر من 500 تشريع. وأشارت المبادرة في دراستها، التي صدرت تحت عنوان "للضرورة أحكام"، إلى عدم وجود ضرورة تبرر إصدار تلك القوانين في غيبة ممثلي الشعب، في ظل إحباط وعدم تفاؤل بقيام برلمان "الدم" القادم، ببحث تشريعات أصدرها السيسي أو إمكانية تعديلها أو إلغائها. وينص الدستور المصري الذي أقرته سلطات الانقلاب على حق رئيس الجمهورية في إصدار قرارات بقوانين "إذا كان مجلس النواب غير قائم"، على أن يتم عرض هذه القوانين على المجلس، واعتمادها خلال 15 يوما من انعقاده. لا كلام عن العدالة وعلى مستوى القوانين المتعلقة بالعدالة الجنائية، أصدرت سلطات الانقلاب الكثير من القرارات بقوانين، التي تتسم جميعها بالشدة والتغليظ في العقاب دونما مقتضى، وكذلك برفع حدود الغرامات على نحو غير مسبوق. ويحذر على نواب "برلمان" الدم، دراسة تلك القرارات أو التعديل التشريعي لها، المتعلق بتمديد الحبس الاحتياطي في الجرائم المعاقب عليها بعقوبتي الإعدام والسجن المؤبد وجعلها دون حد أقصى، مع أنه يمثل عقابًا مسبقًا قبل الإحالة إلى محكمة الموضوع ومصادرة لحريات المواطنين. ومجملاً لن يستطيع النواب المفتقدين للشعبية نقد تلك التشريعات في مجال العدالة الجنائية، مع العلم أن البنية التشريعية المصرية لم تكن في حاجة إلى إضافة ما جاء من قرارات بقوانين إلى ترسانة التشريعات المصرية، المكتظة بطبيعة الحال من كثرة ما ورد عليها من تعديلات. الحريات محظورة يعلم النواب جيدًا أنهم غير مرغوب فيهم شعبيًّا، والأهم أنهم يعلمون أن نظام الانقلاب لا يحترم أي شيء، وفشل في كل شيء، وأن انهيار هذا النظام قادم يقينا، لذلك فلا كلام في تلك الفترة المتبقية عن الحريات والقمع والانتهاكات وحقوق الإنسان. وما يزيد طين البرلمان القادم بلة أن نظام السيسي هو نظام عسكري صرف، فالسيسي تخرج من الإعدادية ليلتحق بالعسكرية مباشرة، ولم يمارس أي سياسة، ولا يشعر بمعاناة الإنسان، ولذلك لن تجدي معه لغة الحقوق والحريات شيئاً. وفي هذا الشأن يؤكد وزير الشؤون القانونية والبرلمانية المصري السابق، الدكتور محمد محسوب، أن نظام السيسي يدرك أنه لو وُجد بديل له فستتم التضحية به سريعا، مشيرا إلى أن نتائج الانتخابات الأخيرة سحبت من النظام شرعيته. وقال محسوب: "عندما يسلب هذا النظام حق الحياة من المصريين فعن أي حق لإبداء الرأي نتحدث؟! ولا يجوز لأيٍّ كان أن يبدي رأيه إلا إذا كان في صالح النظام الذي أثبت فشله في جميع المجالات، وهو حالة متكررة لما قبل يناير 2011، وقال إن الشعب المصري يتوق إلى التخلص من نظام السيسي وسيحدث ذلك". الصحافة وحرية التعبير رجس من عمل الشيطان من المحرمات التي يحظر الحديث حولها تحت قبة مجلس برلمان "الدم" القادم الصحافة والإعلام، باعتبار أن الانقلاب إنما جاء تحت غطاء صحفي إعلامي، حرق الأرض تحت أقدام الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي، وطبل للانقلاب ودعمه حتى وصول السيسي للسلطة. وأي حديث عن تعديل بوصلة الإعلام والصحافة لن يكون مقبولا من العسكر، كما لن يسمح السيسي برفع سقف الإعلام والصحافة في توجيه النقد إليه، بل ستصدر قوانين تقيد أكثر حرية الصحافة والإعلام وتمنع الخوض في قرارات الجيش والرئاسة. وفي هذا الشأن يؤكد رئيس تحرير صحيفة المشهد المصرية الأسبوعية، مجدي شندي، أن المناخ الحالي في مصر هو مناخ غير جيد للحريات الصحفية، وهناك فهم خاطئ لهذه الحريات، مشيرا إلى أن نظام السيسي لا يعي أهمية وجود صحافة حرة ناقدة ترشده لأوجه الخلل، وهناك تشكيك من قبل نظام السيسي في أي رأي ناقد له. لا شأن لكم بالرز الخليجي تلقى نظام السيسي كميات هائلة من "الرز" الخليجي والدولارات الأوروبية والأمريكية في هيئة منح ومساعدات، بينما تأن ميزانية حكومة الانقلاب وتعاني من عجز كبير في ميزان المدفوعات، وربما ولأول مرة منذ 25 عامًا يصبح رصيد البنك المركزي من العملة الصعبة صفرًا. ومن غير المتوقع والحال هكذا أن يجرؤ أحد النواب أو الأحزاب التي مولها الجيش من تحت المنضدة، أن ترفع شعار المحاسبة للنظام وتسأله عن الرز والدولارات من أين اكتسبه وفيما أنفقه، بما يعد أحد التابوهات التي يحرم على النواب المساس بها والعواقب على ذلك وخيمة. وفي هذا الشأن نشرت جريدة "المصري اليوم"، المؤيدة للانقلاب قبل اعتقال مؤسسها صلاح دياب، تقريرا خطيرا في وقت سابق بعنوان "5 مؤشرات على دخول الاقتصاد المصري مرحلة «الانهيار». فهل يدرك السيسي أن سقوطه بات وشيكا؟.