تمر الذكرى السادسة والأربعون لاستشهاد المفكر والقيادى الإسلامى سيد قطب، ذلك المبدع الذى ظلمه الجميع حيا وميتا، سواء كانوا من تلاميذه أو ممن اختلفوا معه على نفس الأرضية الإسلامية أو هؤلاء الذين يرفضون الفكرة كلية، وقبل كل هؤلاء أولئك الذين تجردوا من إنسانيتهم وأعدموا مفكرا ومجددا إسلاميا لأنه تجرأ ووقف فى وجه الديكتاتورية والاستبداد. لقد ظلم عدد كبير من تلاميذ قطب أستاذهم؛ فهم لم يستطيعوا أن يقدموا بشكل علمى الأفكار الحقيقية للشهيد، والجهد الذى بذله لإحياء تنظيم الإخوان رغم القمع فى تلك المرحلة ووصول رأس النظام إلى أعلى درجات تعظيم الذات ورفض بروز أى قيادات أو أفكار بجواره، وهو ما أدى بعد ذلك إلى النكسة. حاولت أن أقرأ كثيرا عن قطب، ولكنى لم أقرأ إلا ما كتبه قطب من مؤلفات، ونحن جيل لم نعش الحياة أو الظروف التى كتب فيها قطب مؤلفاته أو نعرف التطورات التى طرأت على فكره وأسبابها. ربما اختلطنا واقتربنا كثيرا ممن تتلمذوا على يديه وكانوا معه فى تنظيم 1965، ولكننا لم نقرأ لهم إنتاجا ثقافيا تفصيليا عن قطب سوى إصدارات قليلة للأستاذ محمد قطب، والكتاب التأريخى الذى كتبه المهندس محمد الصروى -رحمه الله- بعنوان "الزلزال"، وربما مؤلفات أخرى لم تصل إليها أيدينا. إن الدور المنوط الآن بتلاميذ الشهيد قطب -وهم كثيرون ويتولون قيادة مفاصل كثيرة للحركة الإسلامية- أن يدلوا بشهاداتهم عن الشهيد، وعبقريته الفكرية، وقدرته الفذة على الصمود، وكيف استطاع أن يعيد بناء التنظيم مرة أخرى بمعاونة إخوانه الذين أفلتوا من مقصلة 1954 أو هؤلاء الذين خرجوا من السجون أو حتى هؤلاء الشباب حديثى السن الذين عاشوا وتربوا فى عهد "الزعيم" وآلته الإعلامية التى ضخّمت ذاته، ووسائله القمعية التى عاقب بها من فكروا فى معارضته، ومع ذلك انضموا لتنظيم كانوا يعرفون أن اكتشافه يعنى إعدامهم وتشويه صورتهم وهم فى مقتبل العمر. لقد تعرض الشهيد للظلم أيضا من أبناء الحركة الإسلامية من فصائلها المختلفة أو من تنوعاتها الموجودة داخلها، سواء هؤلاء الذين بالغوا فى تمجيد الشهيد أو هؤلاء الذين أسرفوا فى نقده، بل وصل بهم الحد إلى تكفيره؛ إرضاء لأنظمة أقل ما توصف به أنها مستبدة فاسدة تحارب كل دعوة للفضيلة والقيم. حديثى لن يمتد إلى أعداء الفكرة الإسلامية، سواء ممن يسمون أنفسهم مفكرين أو هؤلاء الذين تولوا قيادة البلاد فى مرحلة من المراحل، وكان نتيجة حكمهم "النكسة"، فالشعوب ردت عليهم بعد 45 عاما من استشهاد قطب، وانتفضت ضد الاستبداد والفساد لتحصل على حريتها التى كان قطب واحدا ممن دفعوا حياتهم ثمنا لاستردادها، وكأن الشعوب استجابت لنداء الشهيد. أخى سنبيد جيوش الظلام *** ويشرق فى الكون فجر جديد فأطلق لروحك إشراقها *** ترى الفجر يرمقنا من بعيد