بعدما بات "الصاروخ" هو الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني في كل المعارك السابقة في غزة كانت التقارير الواردة من تل أبيب تتفاخر بتحقيق أهداف العدوان، ولكن الجديد هذه المرة هو توالي الاعترافات الإسرائيلية بخسارة إسرائيل الحرب وفوز حماس سياسيا وعسكريا، سواء عبر وسائل الإعلام والمحررين العسكريين الإسرائيليين أو عبر رئيس لجنة الأمن بالكنيست (البرلمان) الإسرائيلي الذي قرر تشكيل لجنة تحقيق في الإخفاقات العسكرية يرى الخبراء أنها ستحصد رأس نتنياهو وقادته العسكريين عقب انجلاء غبار الحرب. حتى إن المحلل الإسرائيلي "بن كابسيت" قال إن (مصير رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو السياسي الآن بيد قائد كتائب القسام محمد الضيف)، وقال رئيس شعبة العمليات الأسبق في الجيش الإسرائيلي، يسرائيل زيف، لصحيفة "يديعوت أحرونوت" (31|7): "إن التحقيقات التي يجريها الشاباك أشارت أن حركة حماس استعدت جيدا للمعركة"، وأقر "عوزي لاندو" وزير السياحة الإسرائيلي، بفشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أهداف العملية العسكرية الإسرائيلية، قائلًا: "خسرنا معركة إستراتيجية أمام قطاع غزة". وكشفت القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي على موقعها الالكتروني 5 أغسطس الجاري أن "قتلي قوات النخبة للجيش الإسرائيلي في حرب غزة الحالية يعادلون أربعة أضعاف من قتلوا في حرب لبنان 2006 من الخسائر البشرية التي تعرض لها جيش الاحتلال الإسرائيلي". واعترف اللواء احتياط السابق في جيش الاحتلال "غيورا آيلند" قال لصحيفة يديعوت أحرنوت: أن حركة حماس "نجحت في بناء جيش نوعي وقوي ومثير للانطباع، وقطاع غزة تحول إلى دولة بنت جيشًا قويًا وهذه الدولة تحاربنا بكل قوة". ويمكن رصد أبرز مكاسب المقاومة الفلسطينية في حرب 2014 علي النحو التالي: 1- لأول مرة تصل صواريخ عربية -مصدرها المقاومة الفلسطينية لا الجيوش العربية- إلى مدن إسرائيلية لم تصلها أي صواريخ أو يتم ضرب العمق الإسرائيلي بهذا الشكل منذ إعلان نشأة إسرائيل، مثل حيفا وتل أبيب، وديمونة، ومطارات عسكرية، ما ينهي نظرية (الحرب الاستباقية) الإسرائيلية، ويخلق معادلة توازن جديدة ، ولهذا أثبتت حرب غزة 2014 أن "الصاروخ" بات هو الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، وبالتالي فرضت المقاومة قواعد جديدة للعبة مع العدو الإسرائيلي. 2- أكبر انتصار حققته المقاومة في غزة وفي مقدمتها كتائب القسام (حماس) هو فرضها "توازن الرعب" بين صواريخها التي باتت تطال المدن الإسرائيلية الكبرى بما فيها تل أبيب، وبين آلة العدوان الإسرائيلية، وهو أبرز انتصار استراتيجي كانت تسعى له المقاومة، حيث نجحت هذه المرة في إحداث اختراق في التوازن العسكري مع إسرائيل وخلق ميزان رعب بالصواريخ بحيث يرتدع الصهاينة عن العدوان على غزة مستقبلا لتوقعهم أن ترد غزة التي باتت تملك السلاح الذي وصل إلى ثلثي مدن إسرائيل ولا تتكرر بالتالي العربدة العسكرية الصهيونية في غزة. 3- لأول مرة تخسر إسرائيل هذا العدد من القتلى والمصابين من الجنود وكبار الضباط ومن وحدات قتالية من النخبة تحديدا (جفعاتي – جولاني – نخبة النخبة)، حيث قتل 65 ضابطا وجنديا باعتراف إسرائيل، وأصيب 1400 لا يزال 36 منهم حالاتهم خطرة، بينما تقول حماس إن العدد أكبر وإسرائيل تخفي الخسائر، وأنها قتلت من مسافة "صفر" قرابة 140 جنديا وضابطا إسرائيليا، وأسرت الجندي شاؤول أرون، فيما مصير الضابط الثاني الأسير الذي أعلنت إسرائيل مقتله لا يزال مجهولا. 4- أثبتت المقاومة مرة أخرى فشل منظومة (القبة الحديدية) الإسرائيلية في صد صواريخ المقاومة، فبحسب معطيات الجيش الإسرائيلي أطلق على ثلثي مدن إسرائيل 6363 صاروخا، اعترضت القبة الحديدية 558 صاروخا من بين 3245 تم إطلاقها من قطاع غزة تجاه المدن الإسرائيلية، في حين سقط نحو 2560 صاروخا في مناطق مفتوحة، ولم يعرف مصير نحو 27 صاروخا أطلقت خلال العملية العسكرية ويعتقد أنها طالت مطارات حربية ومنطقة مفاعل ديمونة. وقد اعترف السيناتور الأمريكي والمرشح الرئاسي السابق "جون ماكين" لصحيفة هأرتس: "إن مخزون الصواريخ من طراز (تامير) والتي تستخدم في منظومة القبة الحديدية لاعتراض الصواريخ الفلسطينية تقترب من النفاذ" بسبب كثرة صواريخ المقاومة. 5- مشهد الصور التي نشرت لأول مرة لدبابات صهيونية وعربات مجنزرة وهي مدمرة، على أبواب غزة، وكذا طائرة إسرائيلية محترقة لم يؤكد فقط حجم المقاومة الشرسة للعدوان في قطاع غزة، ولكنه أظهر انهيار قدرة الردع الإسرائيلية وانتهاء قصة التفوق العسكري، خصوصا في ظل امتلاك المقاومة أسلحة مضادة لدبابات ميركافا المتطورة (صاروخ الكورنيت)، وصواريخ مضادة للطائرات (سام -7). 6- أنفاق غزة الهجومية كانت من الأسلحة الجديدة التي أضيفت لأسلحة اليوم بعدما استخدمها مقاتلو حماس في التحرك الخفي أسفل الجنود الإسرائيليين ومفاجأتهم وتدمير دباباتهم ومصفحاتهم، فضلا عن استخدامها في عمليات نوعية داخل الأراضي الإسرائيلية والوصول إلى مدن غلاف غزة الحدودية مثل ناحل عوز ما أدى لهجرة سكانها لها. وقد اعترفت إسرائيل بأهمية هذا الاختراع الجديد (الأنفاق الهجومية) حتى إن الإذاعة الإسرائيلية العامة نقلت (5/8) عن ضابط رفيع المستوى بالجيش الإسرائيلي قوله: "إن قطاع غزة اخترع لجيوش العالم سلاحًا جديدًا سيضاف إلى أسلحتها ليكون السلاح الخامس بيدها هو الأنفاق"، وأضاف: "غزة اخترعت لجيوش العالم سلاح الأنفاق ليكن السلاح الخامس لجانب سلاح الجو وسلاح البحرية وسلاح المشاة وسلاح المدرعات". 7- تصنيع حماس لسلاحها وكشفها عن صواريخ من صنعها وطائرات دون طيار وبندقية قنص وغيرها من القذائف، واعتراف إسرائيل وخبراء عسكريين غربيين بهذه الحقائق العسكرية الجديدة، أعاد السؤال عن مشاريع التصنيع الحربية العربية، وتحول عديد من مصانع العرب الحربية لإنتاج السلع الاستهلاكية والمعمرة، والفشل في إنتاج أي سلاح فعال في مواجهة الصناعة الحربية الإسرائيلية المتطورة، فيما نجحت حركة مقاومة (حماس) في ثلاث سنوات فقط في إنتاج بندقية قنص وعدة أنواع من الصواريخ، وطائرة دون طيار، بإمكانيات بسيطة لم تصنعها الجيوش العربية بإمكاناتها الضخمة، ما يؤكد قدرتها على صنع أشياء أهم من الطائرة وتوقع مفاجآت أخرى. 8- المقاومة حققت مكسباً كبيرًا بإغلاقها الغلاف الجوي الإسرائيلي أمام الطيران العالمي، لأول مرة منذ حرب 1948، ما شكل أكبر انتصار سياسي لها، ربما أكبر من إجبار ملايين الإسرائيليين على النزول للملاجئ، وغلق مصانع وضرب الموسم السياحي الصيفي بخلاف الخسائر الاقتصادية. 9- رغم كل الجرائم الإسرائيلية السابقة، وتوقيع السلطة الفلسطينية على 15 اتفاقية دولية، إلا أنها لم توقع على اتفاقية الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، وقد كشفت مصادر قانونية في الجامعة العربية أن السلطة الفلسطينية عقدت صفقة مع إسرائيل وأمريكا تتغاضى بموجبها عن اللجوء لمحكمة الجنايات الدولية لملاحقة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، بعدما حصلت على عضوية غير كاملة في الأممالمتحدة، ولكن العدوان الأخير أحرج السلطة الفلسطينية فاضطرت لقبول مقترح حماس بتقديم طلب الانضمام للمحكمة الجنائية، ومع أن المحكمة لم يسبق لها أن أدانت الجرائم الإسرائيلية أو الأمريكية في غزة أو العراق أو أفغانستان، فمجرد انضمام فلسطين للمحكمة يزيد من حجم الضغوط على الإسرائيليين دوليا.