في إطار تعقيبه على وضع العمالة المصرية في ليبيا في ظل سياسة سلطة الانقلاب الراهنة تجاه ليبيا والآثار المترتبة عليها يرى أحمد خلف -الباحث بمركز الحضارة للدراسات السياسية– أن الوضع في ليبيا يجب أن ينظر إليه بالأساس من زاوية التدخل المصري، فهناك قرائن عدة تدل على دعم سلطة الانقلاب العسكري، لميليشيات عسكرية، شبه نظامية، يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ضد السلطات الليبية المنتخبة، هذا الوضع بطبيعة الحال يضر بالعلاقات بين البلدين، خاصة مع اندحار قوات حفتر، وعدم تمكنها من حسم الأمور لصالحها. وأضاف في تصريح خاص ل"الحرية والعدالة" بل إن قوات حفتر تتعرض لهزائم من الكتائب الموالية للحكومة الليبية، وهذه الحالة من الاقتتال أضرت بأوضاع الليبيين عمومًا والعمالة الوافدة خصوصًا، لا سيما مصر، التي أضحت سلطة الانقلاب بها ضالعة في المشهد المعقَّد هناك، بل ومنحازة لطرف يرغب في القيام بانقلاب عسكري، مسترشدًا في ذلك بما حدث في مصر، من فرض أوضاع بالقوة، وقمع للإسلاميين، واتهامهم بالإرهاب، حائزًا في ذلك بالإضافة للدعم المصري على دعم خليجي وغربي.
محذرا من أن الأمر الأكثر خطورة ويتعلق بوضع المصريين، هو ما أعلنت عنه جهات شبه رسمية، وتسريبات صحفية من وجود احتمالية كبيرة لتدخل عسكري في ليبيا من جانب سلطة الانقلاب في مصر، وهو أمر يترجح معه الإضرار بالعلاقات بين الشعبين وبملايين العاملين المصريين في ليبيا سنوات طويلة، وهو أمر يثير الشكوك في حقيقة السياسات التي ينتهجها الانقلاب وأهدافها، وهل يطمح الانقلابيون لتوطيد أركان حكمهم، أم يهدفون إلى إثارة الفوضى وزعزعة استقرار كل مراكز الثورة والمقاومة!!
وقال "خلف" إذا كان هذا هو الهدف الحقيقي للانقلابيين وداعميهم العرب والغربيين، فلا فائدة من الحديث هنا عن علاقة سلطة الانقلاب بحقوق العاملين، فهذا أمر تدركه تلك السلطة جيدًا، وهي بتصرفاتها هذه تثبت أنها غير معنية أصلا بالعاملين خارج مصر؛ لأنها بالأساس غير معنية بمن هم داخل مصر، حين تقتلهم وتعتقلهم، وتزيد من معاناتهم الاقتصادية والاجتماعية بغلاء الأسعار ورفع الدعم وقطع الكهرباء والحرمان من الحقوق الأساسية للمواطنين.
وكشف "الباحث السياسي" أن سلطة الانقلاب لم تهمل المصريين في ليبيا فحسب، بل إنها تعمدت الإضرار بهم حين أججت نار الفتنة وقامت بدعم فصائل مسلحة ضد الحكومة الليبية التي عينها المؤتمر العام المنتخب، فأوقعتهم في مرمى نيران الكراهية حيث شاركت في زعزعة استقرار بلد يلجأ إليه العمال المصريون، الذين لم يجدوا سبيلا للعيش الكريم في بلدهم، وحين استحكم القتال بين الفصائل الليبية، لم يجد المصريون سبيلا من الفرار إنقاذًا لحياتهم، فتكبدوا العناء والمشاقَّ، لكي يصلوا إلى الحدود الشرقية مع مصر أو الغربية مع تونس، الأمر الذي أدى إلى أزمة عند معبر رأس جدير في تونس بسبب تكدس آلاف النازحين من ليبيا، وعدم كفاية أسباب معيشتهم ووسائل نقلهم إلى مصر سواء كانت طائرات أو سفنا.
ونبه "خلف" إلى أن هذه السياسات التي ينتهجها الانقلاب مع الدول والحركات التي لا تتفق مع خطه الاستبدادي ولا تتماهى معه، ستوقع مصر والمصريين بطبيعة الحال في أزمات شديدة، حتى على المستوى الإنساني والاجتماعي، ناهيك عن الأزمات السياسية والاقتصادية الناجمة عنها، وعودة هؤلاء العمال لمصر دون وجود فرص عمل لهم، هو بمثابة قنبلة موقوتة تزيد من معاناة الأسر المصرية وترفع مستوى الاحتقان الاجتماعي.
وأكد "خلف" أن الدور الذي يقوم به الانقلاب، هو دور تابع لأجندات الخارج، التي تقرر لمصر دورًا قزمًا تابعًا ذليلا مهينًا، وهذه السياسات لن تؤدي إلا إلى تفكيك الجيش وإضعافه، وعدم صلاحيته لمواجهة الأعداء الحقيقيين لمصر والعرب والمسلمين، ومواجهتهم أمر حتمي طال الزمان أو قصر، وعلى الأقل، يجب أن يوفر الجيش لنفسه من القوة الحد الأدنى من الردع اللازم لهؤلاء الأعداء، لا أن يستنزف قواه في مواجهة المحتجين على الظلم والفساد والاستبداد في الداخل، ولا في مواجهات مفتعلة في الخارج مع أشقاء عرب. وأشار إلى أنه إن كان ثمة لمحة إيجابية من هذه الأزمة، ففي إدراك مدى اتفاق الثورات العربية في الأهداف والغايات والعدو الحقيقي لها، الأمر الذي يجعلها ثورة واحدة، لا ثورات متعددة، ويؤكد إدراك الحلف المعادي لها لهذه الحقيقة، ما يقوم به من محاولات مضنية من أجل وأدها، ومعاداتها، واستنزاف قواه في مواجهتها، برغم التكلفة العالية التي يتحملها في سبيل ذلك.