عانت السياسة الخارجية في هذا العام الانقلابي من تردٍّ خطير؛ بحيث تحولت السمات العامة لمصر الآن إلى مجرد أنها دولة تابعة تأتمر بأوامر غيرها؛ فضلا عن أنها دولة لا إنتاج لديها ولا استثمار تستجدي المعونات من هنا وهناك. في حين أكد المختصون أن السياسة الخارجية في العام من حكم الرئيس مرسي كانت تتجه إلى تعدد المنافذ التي تتواصل معها بحيث تكسر التبعية لمعسكر أو دولة واحدة، فضلا عن أنها كانت سياسية جالبة للاستثمار ومن ثم الإنتاج. واقرأ أيضًا السفير إبراهيم يسري: ملف المياه يهدد وجود مصر معونات ودعاية يقول ياسر زيادة -الباحث السياسي-: إن ملامح الوضع الخارجي لمصر بعد عام من الانقلاب يتضح أكثر حين مقارنته بالوضع إبان العام من حكم الرئيس مرسي؛ حيث كان وفود الدول والمنظمات والهيئات تستقبل الرئيس مرسي باحترام بالغ وتعتبره نتاج ثورة شعبية حقيقية وتعبيرا عن إرادة شعب حر أراد أن يعيش بكرامة. وهذا يتبدى بجلاء عندما ذهب إلى الأممالمتحدة وألقى هناك خطابا مدته 30 دقيقة كاملة، كذلك فقد افتتح القمة الإسلامية التي استضافتها مصر لأول مرة منذ تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1969 وبحضور قادة وزعماء 56 دولة، فالوفود كانت تتسابق لاستقبال الرئيس مرسي، وتقدم طلبات للقاء به والحديث إليه، بعكس ما حدث مثلا مع قائد الانقلاب في القمة الإفريقية الأخيرة فقد كان يجلس في الصف الرابع، وليس بين قادة القارة الأفريقية كما كان وضع مصر قبل ذلك، ومقارنة بقمة الاتحاد الإفريقي التي حضرها الرئيس مرسي، فالاتحاد الإفريقي مهما أبدى اعترافه بانتخابات رئاسة الانقلاب يتخوف من فكرة الانقلابات عامة ويخشى من إعادة استنساخ لها في دولة مرة أخرى وهو الذي ذاق ويلاتها من قبل، وبالتالي يظل وضع مصر في الدائرة الإفريقية الآن محفوفا بالحذر والخشية الشديدة منها. ويردف –زيادة- أنه وبالنسبة لوضع مصر في الدوائر الأوربية وأمريكا، فهذه الدول في الأساس هي من ساندت الانقلاب وخاصة أمريكا فهي التي تقف خلفه بقوة، ولذا فوضع مصر بالنسبة لهم هو الدعم المباشر لقادة الانقلاب، ومن جهة أخرى التظاهر بمراعاة مشاعر شعوبهم المؤمنة بقيم الحريات وحقوق الإنسان، فحكومات تلك الدول تستخدم هذا المدخل الحقوقي والإنساني للضغط على النظام الانقلابي وصناعة بؤر توتر ضاغطة له بحيث يظل دائما في يدها ولا يخرج عن الإطار الذي يسمحون لهم به، أما القول بأن هناك قوة لتلك الشعوب للتأثير على حكوماتها، فهذا ما لا نؤكده أو نلاحظ تحققه، فهذه الشعوب بإمكانها الضغط في قضاياها الداخلية فقط، أما في القضايا الخارجية فتأثيرها محدود للغاية. ويؤكد –زيادة- أنه وفيما عدا ذلك فالأوضاع المصرية مع العالم تكاد تكون مقطوعة، ففي حين زار الرئيس مرسي العديد من الدول وقام بالعديد من الجولات الخارجية لكل من الصين، إيطاليا، بلجيكا، إثيوبيا، أوغندا، روسيا، ألمانيا، باكستان، البرازيل، فهذا النشاط كان يضع مصر في موضع الفاعلية والحضور، أما الآن فمصر فأشبه ما تكون في ظل حصار دولي، سواء من الدول المترقبة أو التي مازالت لا تريد الافصاح عن دعمها للانقلاب. يضيف -زيادة- أن السمات العامة التي تتصدر الآن الإعلام عن مصر وأصبحت سمات ملازمة لمصر في أذهان شعوب العالم، هي حالة التردي الشديد وتكميم الأفواه والاعتقالات والانتهاكات بحق النساء، فضلا عن أننا بتنا ليس أكثر من دولة متسولة من دول الخليج تعيش على المعونات التي تأتيها بين الحين والآخر، مع التأكيد على أن هذه النظرة تبقى لحكومة الانقلاب وللفئات الداعمة له، وليست نظرة تطال الشعب كله. وفي السياق نفسه يرى -زيادة-أن الفارق الشاسع لوضع مصر الخارجي الآن يتضح أيضا في كيفية استقبال العالم كله لثورة يناير وكيف أخذ الكثير من زعماء ورؤساء الدول في الحديث عنها وكأنها رمزا يُعلم الشعوب جميعها معاني الحرية والحضارة في الثورة السلمية، بينما بعد الانقلاب بات قادته هم من يسعون لتسويق أنفسهم ومحاول إقناع العالم بثورتهم المزعومة. يضيف: وتحليلا للزيارات الخارجية لرؤساء الانقلاب، فمن جانبه "عدلي منصور" لم يزر أي بلد آخر بخلاف دولتين من الخليج هما السعودية والكويت من جهة، ومن الخارج زار فقط اليونان كزيارة كيدية لتركيا ولم تؤتِ ثمارها، وبالتالي لم تكن هناك سياسة خارجية بالمعنى المعروف، بل فقط كانت زيارات من قبيل إما المكايدة السياسية أو جلب المعونات، أما قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي فهو يحاول الآن فك الجمود في العلاقات الخارجية حيث قابل في شهر واحد ملك السعودية وزار الجزائر وحضر قمة الاتحاد الإفريقي- ولكن الحقيقة أن حالة قمع الحريات والأحكام التي تصدر يوميا ضد معارضي الانقلاب هي في الحقيقة تزيد من إحراج وضعه في الخارج، وتعطي فرصة للدول أن تضغط عليه. وهذا يجعلنا نقول إن ملامح السياسة الخارجية للسيسي على وجه التحديد لم تضح بعد بشكل كامل، خاصة أنه لم يكن هناك أي مردود لتلك الزيارات التي قام بها. ولكن بشكل عام فهي إما زيارات من أجل جلب المعونات أو الاتفاق على شحنة غاز طبيعي من الجزائر، ومن جهة أخرى محاولة لتسويق نفسه وإقناع العالم بشخصه كرئيس. ومن جانبه يرى "زيادة" أن استراتيجيات السياسة الخارجية التي اتبعها الرئيس مرسي كانت تهدف إلى التوجه شرقا وإلى تنويع العلاقات للبعد عن حالة التبعية الأمريكية؛ وهذا ما جعله يزور روسياوالصينوباكستان، والبرازيل، فقد كان يريد صناعة علاقات متنوعة لمصر بعيدة عن النموذج الأوحد المسيطر، خاصة أنها زيارات كانت فاعلة ثرية لم تكن تنتهي إلا باستثمارات جديدة يتم جلبها إلى مصر وهذا كان سيحقق القوة للاقتصاد المصري بحيث لا يخضع لقوة أو دولة بعينها، وهو ما تم القضاء عليه بعد الانقلاب. تبعية وأوامر عليا ومن جانبه يقول حازم محسن سلميان -الباحث السياسي والقيادي في حزب الوسط-: إن المنطقة تم تقسيمها منذ أول العام الماضي، بحيث صار كل من تركيا و"إسرائيل" وإيران هم كل القوى الحقيقة في المنطقة، أما مصر فلم تعد أكثر من هامش أو ما يساوي صفرا، وليست أكثر من عسكري نظامي ينفذ ما يمليه عليه الآخرون.. ويظهر هذا في خضوع مصر لإملاءات الخارج في كل قضايا الدول المحيطة مثل غزة مثلا. يضيف: مصر الآن تعيش في كنف هذه الدول المسيطرة ومن فوقها أمريكا والاتحاد الأوربي، وهذه الدول بينها صراعات على مناطق من جهة، ولكن لديها أيضا تفاهمات، ونحن لسنا إلا تابعا ذليلا. ويؤكد -سليمان- أنه ولولا الانقلاب فقد كانت علاقاتنا الخارجية ستكون نابعة من شرعيتنا وقوة ركيزتنا الشعبية فضلا عن أننا دولة عريقة وكبيرة كان من المفترض أن قراراتها مؤثرة جدا بل وتتبعها دول كثيرة؛ كذلك فمصر سوق كبيرة بما تمثله من مستهلكين يقاربوا على المائة مليون نسمة أيضا مصر طريق مرور مهم للدول جميعها وغير ذلك من المؤثرات التي كان من المفترض أن تنجح في تسويقنا عالميا وأن يكون لنا بها مكانة وريادة، لا تبعية كما نعاني الآن.