أثار القرار المفاجئ الذي أصدره قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، بتفويض سبع من اختصاصاته إلى رئيس وزراءه مصطفى مدبولي الكثير من الجدل في الشارع السياسي، وذلك رغم حرص السيسي، على الاستئثار بكافة القرارات والصلاحيات منذ انقلابه على الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي في 2013، وهو التوجه الذي عززه بالتعديل الدستوري المثير للجدل، في أبريل 2019، ليزيد من صلاحياته وسلطاته على قطاعات الدولة بجانب مدده الرئاسية. ولم تكن هذه هي الواقعة الأولى الذي يصدر فيها مثل هذه القرارات، فهناك عدة قررات مشابهة سبقتها وصدرت لرؤساء حكومات سابقين، بينهم مدبولي نفسه مع بداية عمل حكومته الأولى في عام 2018، ولم يتم التعليق عليها، غير أن حالة الاحتقان السياسية والظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر الآن، دفعت العديد للتساؤل حول ذلك. ووفقًا للقرار فقد شملت تفويضات السيسي السبعة لمدبولي ما يلي : 1. التصرف بالمجان في أملاك الدولة، وحماية الآثار، ونزع الملكية. 2. منح المعاشات والمكافآت الاستثنائية، وتقرير إعانات أو قروض أو تعويضات عن الخسائر في النفس والمال. 3. إدارة شؤون العاملين بالدولة. 4. إدارة الهيئات العامة وهيئات القطاع العام وشركاته، وشركات قطاع الأعمال العام. 5. الشؤون المتعلقة بالأزهر ومجمع اللغة العربية والجامعات. 6. المرافق العامة والجمعيات ذات النفع العام والإدارة المحلية وحالة الطوارئ. 7. تأشيرات الموازنة. لماذا اتخذ السيسي هذا القرار الآن؟ تساؤلات عديدة صاحبة قرار تفويض السيسي لمدبولي في هذا التوقيت الملتهب، والذي يواجه فيه مدبولي وحكومته الجديدة الكثير من الأزمات الاقتصادية، على رأسها أزمة انقطاع الكهرباء التي أثرت على مناحي الحياة كافة، من إغلاق المحال التجارية في العاشرة مساء، إلى توقف عدد كبير من مصانع الأسمدة نتيجة عدم توفير الحكومة للغاز، بخلاف غلاء الأسعار، ورفع الدعم عن نسبة 300 بالمئة، على رغيف الخبز المدعم. كما جاء القرار في وقت يمر به الشارع بإحدى أكثر فتراته احتقانا، وسط دعوات لا تنتهي للمصريين بالتظاهر ضد نظام السيسي، والمطالبة برحيله. وأثارت القرارات أيضا هوسا كبيرا المواطنين، إذا زادات التكهنات حول تفويض صلاحيات السيسي لرئيس وزراءه، فمنهم من تكهن بأن ذلك متعلق بصحة السيسي، أو بتسهيل اتخاذ مثل هذه القرارات، التي صعب المشرع عملية اتخاذها ووضعها في يد السيسي دون غيره نظراً لأهميتها وخطورتها، ولذلك منحها لرئيس الحكومة. وهناك أيضاً من تكهن بأن حكومة مدبولي كانت على وشك اتخاذ قرارات "صعبة" لم يرد السيسي أن يتحمل مسؤوليتها فوضعها في يد رئيس وزراءه، لكنه بحسب الدستور المصري وما أكده فقهاء وخبراء، فإن كل ذلك يبقى مجرد تخمينات تخلو من الدقة، نظراً لأن ذلك القرار الجمهورية له سوابق مشابهة تماماً. بينما يرى الكاتب والمحلل السياسي مجدي الحداد، أن توقيت قرار السيسي بنقل 7 من صلاحياته لمدبولي، "تتزامن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، التي لم ينفع معها بيع أصول أو خفض في قيمة الجنيه، ولا حتى تلبية كل شروط صندوق النقد الدولي"، ملمحا إلى "زيادة الأزمة الاقتصادية عمقا وتفاقما، والتي لم يخفف منها فضلا عن عدم تجاوزها؛ بيع الأصول ولا الاقتراض الخارجي". آراء فقهاء وخبراء الدستور وبعد أن تعددت التكهنات حول تفويض السيسي لمدبولي،كان لابد من معرفة آراء فقهاء وخبراء الدستور، فتطرق، الفقيه الدستوري صلاح فوزي، لقرارات السيسي مؤكدا أن عدم الشفافية هي التي أدت إلى حالة الجدل حول قرار السيسي الأخير، موضحا أن تفويض السيسي لمدبولي في بعض الاختصاصات "قد يحدث في بعض الحالات، منها أن يكون الرئيس معتلاً، وهذا لم يصدر بشأنه أي بيان رسمي". كما تطرق الصحفي والباحث محمد فخري عن أسباب تفويض السيسي، مدبولي ب7 صلاحيات كبيرة قائلا: "بالطبع هذا القرار مهم ولافت وغير معتاد، خاصة وأن السيسي بطبعه مركزي ويحرص على إصدار القرارات والاقتراحات في كافة الأمور وفي مختلف الملفات، بصرف النظر عن خبرته في الأمر من عدمها". وفسر فخري منح تلك الصلاحيات المهمة والخطيرة من السيسي لرئيس وزراء بأن له عدة سيناريوهات أبرزها في نظره، استمرار اعتبار مدبولي، ك(خرقة مطبخ)". وأضاف أنه "وبالتالي يتم منحه تلك الصلاحيات لإصدار قرارات تفريط كارثية باسمه، وتحميله مسؤولية الإخفاقات حتى لا تتسخ ملابس القائد أمام رعيته، وكأن المواطن عاجز عن فهم أبعاد الصورة". ونوه المحلل السياسي إلى أن "السيناريو الثاني، وهو غير مستبعد أيضا، ومن الممكن ضمه للأول: وهو أن السيسي مريض منذ فترة بسيطة؛ كما تبدو هيئته، وظهر ذلك في شكله ونشاطه المحدود غير المعتاد، وغيابه عن مؤتمرات الحكي والتواصل المفتوح، وتأخر بعض القرارات بلا سبب واضح". وعن سيناريو تفرغه لأمور أهم من ذلك، تساءل فخري: "وهل هناك أمور أهم من تأشيرات الموازنة، والتصرف في أملاك الدولة والعاملين فيها، وغير ذلك من الملفات الهامة"، مؤكدا أنه لا يعتقد بهذا السيناريو. لكنه يتفق مع الطرح القائل بتحميل مدبولي الشيلة كاملة خاصة في ظل تنامي الغضب الشعبي، قائلا: "خاصة وأن السيسي، قد عمد منذ فترة قصيرة إلى ترك مساحة في الإعلام الموالي والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي لانتقاد المحافظين والوزراء". ويعتقد أن "هذا يشير إلى رغبة النظام في إشغال مواطنيه وتوجيه سهامهم نحو بعض عماله ومسؤوليه، رغم أن القرار في النهاية له وحده؛ سواء قرارات الاقتراض أو بيع الأصول، أو حتى قطع الكهرباء". وتوقع في نهاية حديثة أن "مدبولي رغم تلك الصلاحيات الموكلة إليه لن يكون هو صاحب القرار". وفي تعليقه، عن هذا التفويض قال الكاتب والمحلل السياسي مجدي الحداد، إن "السيسي، يريد بالفعل أن يُحمًل أخطاءه، أو بالأحرى كوارثه وتواطؤه، لمعاونيه أو وزرائه، ربما لإحساس داخلي بأن ساعة الرحيل من ناحية، قد حانت". كما لفت الحداد، إلى "تحرك عدة شعوب في قارة آسيا ضد أنظمتها، ووجود قواسم مشتركة عديدة بين ما ثارت من أجله تلك الشعوب، وما لدى شعب مصر من أسباب، بل ربما تفوق أسباب تلك الشعوب للتحرك ضد أنظمتها الفاسدة المستبدة، مثل سريلانكا وبنجلاديش الآن". وأكد الحداد، أنها "ليست المرة الأولى التي يريد السيسي، أن يلقي فيها بحمل كوارثه، التي تسبب فيها بنفسه، على غيره، وكلنا يتذكر مثلا قوله: (متسمعوش كلام حد غيري)، وكلنا يتذكر كذلك، منذ سنوات ما ذكره بأحد مؤتمراته الشهيرة -والتي يدير فيها ظهره للجمهور-". وأضاف أنه "في بداية ظهور أزمات سد النهضة، قال بهذا الشأن لنا نحن الشعب المصري: (عندكم رئيس مجلس النواب (علي عبدالعال)، وعندكم رئيس الوزراء (شريف إسماعيل)، وكأنهما المسؤولان عن حل تلك الأزمة وليس هو". وتابع: "وكأنهما من وقعا اتفاقية (مبادئ وثيقة سد النهضة) في مارس 2015، وتنازلا عن حصة مصر التاريخية وحتى الأزلية في مياه النيل، وليس هو؛ والآن صرنا -وبسببه شخصيا- نفاوض على 40 مليار متر مكعب سنويا، وبعد أن كانت 55 مليار متر مكعب، وحتى تلك الحصة ترفضها إثيوبيا". وخلص الحداد للقول: "هذا بالضبط ما يفعله السيسي، الآن؛ بتحميل عبء قراراته وإخفاقات سياساته، وربما عجزه الشخصي عن تنفيذها، على غيره، وكما فعل في الماضي وعلى نحو ما أسلفنا". وفي نهاية حديثه أجمل ما سبق متسائلا: "ماذا نتوقع من نظام مات إكلينيكيا ويعيش الآن فقط على المحاليل، والمحاليل الضارة منها، التي قد تُعجل بموته، وهي هنا بيع الأصول والاقتراض الخارجي، وحتى من دون أن يظهر أي أثر إيجابي ومباشر جراء ذلك على حياة المواطن، والتي تزداد بؤسا يوما بعد يوم". آراء المراقبين على مواقع التواصل أثار تفويض السيسي الكثير من التساؤل حول أسباب هذا التفويض والهدف منه، ولماذا تلك المجالات بالذات، بل إن بعض المراقبين، والمتابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، توقعوا أن تكون قرارات تقليل صلاحية السيسي، مسعى منه لتحميل مدبولي، مسؤولية الإخفاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتتالية، وكذلك مسؤولية عمليات البيع والتفريط في أصول وممتلكات الدولة، وأيضا عجز الرواتب والمعاشات، عن توفير حياة كريمة للمصريين، خاصة في ظل الغضب الشعبي المتفاقم. واعتبرت تعليقات بعض المراقبين، عبر موقع "فيسبوك"، أنتنازل السيسي، عن بعض صلاحياته أو توكيل مدبولي بها، يعني غسل يديه من أخطاء وكوارث الحكومة، وأنه يأتي في هذا التوقيت حتى لو قامت ثورة ضد السيسي، فسيكون مدبولي هو كبش الفداء، الذي يتحمل الحساب وفاتورة كل الجرائم. كما تطرقت البعض منها إلى أن بعض بنود تلك التنازلات مثيرة للمخاوف، وخاصة حول الأزهر الشريف، وجملة "التصرف في أملاك الدولة"، مشيرين إلى أن "أملاك الدولة هي ملك الشعب"، متسائلين: "هل يملك رئيس الدولة دستوريا سلطة التصرف في أملاكها، حتى يفوض هذه السلطة لرئيس الوزارة؟"، متابعين: "أين القسم أن أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه". وأرجأ بعضهم أنها "سياسة ذكية من السيسي، للهروب من المسؤولية، وخاصة بملف بيع الأصول والأراضي البديل الوحيد لسداد خدمة الديون الخارجية"، مؤكدين أن "مدبولي، لا يجرؤ على بيع شبر دون الرجوع للسيسي"، ومشيرين لاحتمال أن يكون السيسي، قد قرر التفرغ لأمر ما، وأن "الأمر جد خطير"، ولذا فإن البعض طالب السيسي، بالإعلان عن سبب هذا التفويض. بينما أوضحت بعض التعليقات أن الصلاحيات الحقيقية لن تكون في يد أحد غير السيسي، مشيرين إلى أنه يُحمًل مدبولي المسؤولية القانونية الكاملة عن بيع الأصول، والاستيلاء على أموال ومقدرات الشعب، وكل الفساد القادم، ويصبح الجيش وباقي رموز الدولة خارج الصورة تماما. https://x.com/Kimo_k0n0/status/1815333000256565729?ref_src https://www.youtube.com/watch?v=eRpDOSVK1QY https://www.youtube.com/watch?v=m082gUWxWv4