المشهد الأبرز بموسم حج 2024 ، كان هو الحملة القوية غير المسبوقة التي تقوم بها السلطات السعودية بتعليمات من ولى العهد الأمير محمد بن سلمان ، هو حرمان 300 ألف مسلم من الفريضة لأول مرة في تاريخ الحج ، لدرجة أن قوات الأمن منعت الآلاف أغلبهم من مصر والدول العربية من الوقوف بجبل عرفات ، رغم وجودهم بمكةالمكرمة ، واستغاثات النساء وكبار السن ، بل تم نقلهم من مكةلجدة نكاية بهم ، وكأن تعليمات "بن سلمان " هو الصد عن البيت الحرام . وزعم إعلام السعودية أن ماحدث بسبب مخالفة الوافدين لأنظمة الحج، فقد أعلنت السلطات أن قوات الأمن قد ضبطت أكثر من 300 ألف شخص غير مسجلين لأداء الحج، بحسب وكالة الأنباء السعودية (واس). ومن بين المبعدين من مكة 153,998 أجنبياً جاؤوا بتأشيرات سياحية بدلاً من تأشيرات الحج. وقالت وزارة الداخلية السعودية إن الأمن العام ضبط خلال الفترة الماضية 140 حملة حج وهمية و64 ناقلاً مخالفاً لأنظمة وتعليمات الحج وإعادة أكثر من 97 ألف مركبة مخالفة وإعادة (171,587) مقيماً من غير المقيمين بمكةالمكرمة و(4,032) مخالفاً لأنظمة وتعليمات الحج، أي محاولة الحج دون تصريح، وأكثر من 6 آلاف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود. مستشار اللجنة الوطنية للحج والعمرة سعد القريشي أوضح أنه "لن يتم التسامح مع أي شخص لا يحمل تأشيرة حج ويجب أن يرجع إلى بلده". لافتاً إلى أن الحجاج غير النظاميين يُضبطون عبر بطاقات (نسك) التي تمنح للحجاج الرسميين وتحتوي على باركود للدخول إلى المشاعر المقدسة، مشيراً إلى أن البعض حاول تزويرها لكن فشلوا، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC. وبحسب القريشي: "تُهاجم الشقق السكنية التي يتواجد فيها مخالفون ويتم إخراج الناس منها وإبعادهم عن مكةالمكرمة إلى منطقة جدة ومن ثم ترحيلهم إلى دولهم"، مضيفاً أن "بعض السماسرة وضعاف النفوس يتكسبون من الراغبين بالحج، ويشجعونهم على استخدام تأشيرات الزيارة لأداء الحج، وهي تأشيرات لا تخول لحامليها أداء الفريضة". وانتشر العديد من المقاطع المصورة التي تظهر ضبط المئات من غير الحاملين لتصاريح الحج واقتياد بعضهم إلى مراكز الترحيل. لماذا يلجأ البعض للتحايل؟ يتمنى ملايين المسلمين تأدية فريضة الحج، لكن لم تتحقق الأمنية سوى لنحو مليوني مسلم هذا العام، وتتنوع أسباب "تحايل" البعض كي يتمكن من الحج، من التكلفة المرتفعة إلى الإجراءات المشددة للحصول على تأشيرة الحج إلى "الكوتة" المحددة لكل دولة. ورصد تقرير لبي بي سي تجارب عدد ممن أقدموا على خطوة "التحايل". "تكلفة الحج باهظة للغاية" هو السبب الذي دفع عبد الحميد للجوء للحج دون تصريح رسمي، إذ قال إن التكلفة في بلده مصر قد تتخطى 300 ألف جنيه (6300 دولار)، في حين تبلغ تكلفة الحج دون ترخيص ربع هذا المبلغ. إذ تبلغ تكلفة الحج في مصر هذا العام في حدها الأدنى نحو 4 آلاف دولار (ما يناهز 200 ألف جنيه مصري)، بينما يتضاعف المبلغ في حالات الحج السياحي وحج الجمعيات الأهلية. أما في الأردن فتبلغ تكلفة رسوم الحج نحو 3 آلاف دينار أي ما يعادل (4200 دولار)، بينما تبلغ الكلفة للحاج ب"التهريب" عبر تأشيرة الزيارة، نحو ألف دينار (نحو 1400 دولار)، وفق قريب للحاج محمد وزوجته إيمان اللذين يسعيان لأداء المناسك حالياً عبر تأشيرة الزيارة. وتحدث آخرون في الأردن عن كلفة قد تصل إلى ألفي دينار للحاج غير النظامي، أي ما يقارب 2800 دولار. وبشكل عام ارتفعت أسعار الحج في العالم العربي خلال العام الجاري مع زيادة أسعار تذاكر الطيران وتراجع العديد من العملات أمام الدولار، بينما تتفاوت التكاليف بين التأشيرات التي تقدمها الشركات الخاصة والحكومات. ففي الجزائر، تبلغ تكلفة الحج هذا العام 840 ألف دينار (6248 دولاراً) بما يشمل السفر والنقل والإقامة. وفي موريتانيا، قال وزير الشؤون الإسلامية الموريتاني الداه سيدى اعمر طالب للجزيرة إن كلفة الحج هذا العام زادت بسبب ارتفاع أسعار تذاكر الطيران وارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية. وتبلغ تكلفة الحج 280 ألف أوقية (7 آلاف دولار)، في حالة التأشيرة الحكومية، أما إذا حصل الحاج من خلال الوكالات المستقلة فستبلغ كلفته 370 ألف أوقية (9 آلاف دولار) شاملة كافة خدمات الحج. مداهمة قوات الأمن السعودية شققاً سكنية انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة مقاطع فيديو تظهر مداهمة قوات الأمن السعودية شققاً سكنية يوجد بها مخالفون لنظام الحج، أي دخلوا بتأشيرة سياحة وأرادوا تأدية الحج، وذلك في مكةالمكرمة ومحيط المناطق الخاصة بمناسك الحج. وتباينت ردود الأفعال بين مؤيد لما تقوم به أجهزة الأمن السعودية، انطلاقاً من ضرورة تنظيم الأمر حتى لا يخرج عن السيطرة، وبين مستنكر لذلك على أساس أن زيارة الأماكن المقدسة وتأدية فريضة الحج يجب أن تكون أكثر تيسيراً وأقل تكلفة حتى لا تدفع البعض للتحايل على الأمر. وبالنسبة للمقيمين في السعودية، يبدو أن الأمور تزداد تعقيداً، وفقاً لسعيدة (اسم مستعار) وهي سيدة مصرية تعمل في المملكة، حيث قالت لبي بي سي إنها وقفت حائرة بين تكاليف تجديد الإقامة لابنها وابنتها اللذين عادا إلى مصر لاستكمال الدراسة، وبين كلفة تأشيرة الحج، إذ تقول إن كلفة تجديد الإقامة للمرافق الواحد لمدة عام تبلغ نحو 1280 دولاراً على الأقل، ناهيك عن رسوم تأشيرة الحج. بينما قال عبد الحميد (اسم مستعار) إنه سافر من مصر إلى السعودية بتأشيرة الزيارة، ودخل مكة عبر أحد الطرق غير المأهولة، لكنه مضطر إلى العزلة الكاملة في شقة وفرها له مسؤول الحملة، خوفاً من ضبطه من الشرطة السعودية، وأضاف لبي بي سي: "أنا لا أخرج أصلاً من مكاني، ومسؤول الحملة هو من يُحضر كل ما أحتاجه من الخارج". ونظراً لتشديد الإجراءات حالياً في مكة، فإن الكثير من الرجال يلجأون إلى السفر دون ارتداء ملابس الإحرام، وفق ما رصدته بي بي سي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.