إذا كان الخوف من قوة وبسالة المقاومة في غزة هو أحد أهم الأسباب في تأجيل جيش الاحتلال الغزو البري مرارا وتكرارا، لأسباب واهية، وخشيته من الخسائر الباهظة في الأرواح والمعدات؛ فإن السبب الثاني هو الخوف من دخول حزب الله بكل قواته وإمكاناته في الصراع؛ فهناك اعتقاد لدى صناع القرار في جيش الاحتلال وحكومته أن حزب الله لا يزال يناور وينفذ اشتباكات صغيرة هنا وهناك؛ لكنه يدخر قوته الكبرى حال تم الهجوم البري على غزة من أجل إجبار جيش الاحتلال على التراجع ومواجهة جبهتين في توقيت وهو أمر لم يسبق لحكومة الاحتلال أن واجهته من قبل. ترسانة عسكرية جبارة وفي تقدير موقف أعده الباحث في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، الدكتور يهوشاع كليسكي، بشأن ترسانة حزب الله وقدراته الصاروخية، ووحداته القتالية وعدد مقاتليه، فإن الحزب مجهز بالعديد من الأسلحة ذات القوة التدميرية الكبيرة، إذ تتكون من جنود نظاميين وجنود احتياط، يتراوح عددها بين 50 ألفا إلى 100 ألف مقاتل. وتضم القوات القتالية لحزب الله "قوة الرضوان"، وهي وحدة كوماندوز ذات خبرة قتالية من الحرب في سوريا، ويبلغ عددها نحو 2500 مقاتل أو أكثر، إضافة إلى الدعم الخارجي من المقاتلين من الدول المجاورة مثل أفغانستان وباكستان وسوريا والعراق. ولا تتوقف تقديرات "معهد أبحاث الأمن القومي" لترسانة حزب الله العسكرية والوحدات القتالية المتعددة، بل تتطرق أيضا إلى أساليب الهجوم، وهي أساليب اعتبرها الباحث كليسكي "مثيرة للإعجاب للغاية". وحسب تقديرات مركز الأبحاث والاستخبارات العسكرية "أمان"، فإن قدرة حزب الله الصاروخية ضخمة للغاية، وتتراوح ما بين 150 ألفا إلى 200 ألف صاروخ، وقذائف صاروخية وقذائف هاون. لكن إسرائيل تخشى بشدة من القدرة الصاروخية الأكثر فتكا، والتي تتمثل في مئات الصواريخ الدقيقة عالية التدمير التي يمكن أن تصل إلى العمق الإسرائيلي، ليس فقط مناطق الجليل وحيفا. وفي حال توسع الحرب على الجبهة اللبنانية، ستكون إسرائيل ملزمة بتحويل المنظومات الجوية الدفاعية والمنظومات الصاروخية لحماية المنشآت المدنية والبنية التحتية والمنشآت العسكرية الحساسة التي ستكون في مرمى الصواريخ الدقيقة لحزب الله. ووفق الباحث الإسرائيلي فهناك تقديرات مختلفة فيما يتعلق بحجم ترسانة حزب الله الصاروخية والقذائف الصاروخية على وجه التحديد، مشيرا إلى أن حزب الله يمتلك نحو 40 ألف صاروخ من نوع "غراد" بمدى قصير 15-20 كيلومترا. ورجح أن الحزب يمتلك أيضا نحو 80 ألف صاروخ "فجر 3 و5′′، و"خيبر" أو "رعد 2 و3 "، وكذلك صواريخ متوسطة المدى وطويلة المدى، يصل مداها إلى 100 كيلومتر، ونحو 30 ألف صاروخ "زلزال" أو "فتح 110′′، بعيدة المدى تصل إلى 200-300 كيلومتر. وتزعم الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أن حزب الله تلقى من سوريا عددا محدودا من صواريخ "سكود سي ودي" التي يصل مداها إلى 700 كيلومتر، وعدة مئات من صواريخ "فتح "110"، التي تحمل نحو 500 كيلوغرام من المتفجرات، مجهزة بآليات ملاحية دقيقة تعتمد على نظام "تحديد المواقع العالمي" (GPS)، وتتمتع بقدر كبير من الدقة والتدمير. كما أن حزب الله، وفق تقديرات "معهد أبحاث الأمن القومي"، مجهز أيضا بصواريخ أرض- بحر من طراز "سي 802" (C802)، عالية الجودة مصنوعة في الصين، وصواريخ "ياخونت" الروسية، وقذائف صاروخية من طراز "كورنيت" المتطورة والمحسنة المضادة للدبابات. كذلك تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن حزب الله لديه القدرة على إطلاق صواريخ "بازمار"، وصواريخ مضادة للطائرات من طراز "إس إيه – 17′′ (17- SA)، و"إس إيه – 22" (SA-22) القادرة على ضرب الطائرات المسيرة والمروحيات. إضافة إلى ذلك، فإن القوة القتالية لحزب الله مجهزة بطائرات بدون طيار، معظمها من إنتاج محلي، وذلك لمهام هجومية واستخباراتية وتكتيكية على مدى يصل إلى 400 كيلومتر، علاوة على ذلك، هناك قدرات إضافية في المجال الرقمي والألكترو – بصري. رعب إسرائيلي لهذه الأسباب وتلك القدرة العسكرية العالية، فإن صحيفة "هآرتس" العبرية، نشرت تحذيرات قيادة الجبهة الداخلية في جيش الاحتلال من أن اندلاع حرب مع "حزب الله" ستفضي إلى سقوط آلاف القتلى في صفوف الإسرائيليين، ودمار غير مسبوق؛ مشيرة إلى أن الحزب يملك 150 ألف صاروخ. وأشارت الصحيفة، في عددها الصادر الاثنين، 23 أكتوبر 2023م، إلى أنه مع استمرار الحرب على غزة "يتجرأ حزب الله ويصعد من تحديه" عبر محاولات تسلل إلى العمق الإسرائيلي وإطلاق قذائف هاون وصواريخ، مستدركة أن عمليات حزب الله "ما زالت تحت سقف الحرب". وحسب الصحيفة فإن "لطهران رغبة في إيذاء إسرائيل انطلاقاً من خمس جبهات"، مشيرة إلى إطلاق الحوثيين 15 صاروخاً موجهاً وعدداً من الطائرات من دون طيار باتجاه إسرائيل، قبل اعتراضها من قبل منظومات دفاع جوية تابعة لإحدى السفن الحربية الأميركية في البحر المتوسط. وتنتهي هآرتس إلى القول بأنه حتى لو كانت إيران وحزب الله غير معنيين باندلاع مواجهة شاملة مع إسرائيل، فإن الحرب على غزة يمكن أن تدفع نحو هذه النتيجة. وفي تحليل نشرته صحيفة "معاريف"، يحذر المعلق العسكري للصحيفة طال لفرام من مغبة الاستدراج إلى فخ المواجهة مع حزب الله. ويرى أن أحد اهم الأسئلة التي لاتزال دون جواب لدى صناع القرار في تل أبيب هو: هل يشرع حزب الله في إطلاق الصواريخ بكثافة بمجرد أن تبدأ إسرائيل عمليتها البرية في قطاع غزة؟". ولفت إلى أن "مصلحة إسرائيل الاستراتيجية تتمثل حاليا في العمل على حسم المواجهة ضد حماس والمس بها وعدم التورط في مواجهة على ساحة أخرى". وأشار إلى أن حزب الله يعمل على تكريس حالة انعدام يقين لدى القيادة الإسرائيلية بشأن نواياه من خلال تكثيف المناوشات على الجبهة الشمالية، لافتا إلى أن التقديرات السائدة في إسرائيل تفيد بأن حزب الله سيصعد في الأيام القادمة من وتيرة إطلاق الصواريخ على العمق الإسرائيلي. وكان وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبداللهيان، قد حذر التحالف الأمريكي الصهيوني، في تصريحات للتلفزيون الإيراني مساء الإثنين 16 أكتوبر 2023م، مشددا على أن "محور المقاومة لن يسمح للاحتلال بالتفرد بغزة وفعل ما يشاء فيها، ثم يبدأ مهاجمة بقية ساحات المقاومة"، مشيرا إلى أن أميركا "دعت في رسالة إلى ضبط النفس وعدم اتساع نطاق الحرب، لكننا قلنا للأميركيين إننا لا نسعى إلى توسيع الحرب، لكن ضبط النفس لن يكون أحاديا". وتابع وزير الخارجية الإيراني: "قلنا للأميركيين إنه لا يمكنكم مطالبة حزب الله بضبط النفس بينما تفسحون المجال لنتنياهو لارتكاب الجرائم"، مشدداً: "ما لم ندافع عن غزة اليوم، فغدا سنواجه في مدننا قنابل الفوسفور الأبيض". الخلاصة أن إسرائيل ليست وحدها من تخشى اتساع رقعة الحرب لتتحول إلى حرب إقليمية، حلفاؤها أيضا في واشنطن والعواصم الغربية يخشون من هذا السيناريو، ولعل تصريحاتهم الأخيرة حول ضرورة حماية المدنيين والتزام إسرائيل بالقانون الدولي هي محاولة لتحاشي هذا السيناريو. لأن هذا من شأنه توريط واشنطن والعواصم الغربية في الصراع بشكل مباشر، سيما وأن هناك قوى عالمية مثل روسيا تتربص بهم كما يتربصون هم بها في أوكرانيا، وقد تستغل موسكو هذه الأوضاع المعقدة من خلال مد حركات المقاومة في لبنان بنوعية متطورة من الأسلحة لاستنزاف واشنطن وحلفائها كما يفعلون هم تماما معها في أوكرانيا.