قال مراقبون: إنه "يتم تسريع عمليات تدمير التراث الإسلامي والهوية البصرية والحضارية لمدينة القاهرة، مضيفين أنه لا يوجد أمثلة لتدميرالتراث العمراني في دول أخرى غير الحروب والنزاعات والكوارث الطبيعية وبأدوات بعيدة عن الأنظمة الحاكمة إلا الأنظمة العسكرية المعادنية للمدنية والحضارة". وأشار الناشطون إلى مناطق الجبانات المماليك والسيدة عائشة والسيدة نفيسة والإمام الشافعي والتي تعج بالتراث الإسلامي، والتي ترصدها بلدوزر الهيئة الهندسية لإنشاء كباري ومحاور بتوصية السيسي الذي يستبعد بالمطلق دراسات الجدوى، بل ويبدو أن الدراسات بأنواعها. اكتشاف بالصدفة وقبل أيام وتحديدا في17 مايو وبالصدفة اكتشف علماء الآثار الإسلامية كشفا مثيرا في "مقابر الشافعي" تمثل في شاهد قبر عمره أكثر من 1100 سنة، في حارة الإمام الشافعي، بعد أن ظل مخفيا داخل جدار منذ عدة قرون، وماذا لو نظمت الدولة عمليات البحث والاستكشاف والرصد؟.
"شاهد القبر" الذي يحمل تاريخ 229 ه، تم اكتشافه، الخميس، خلال زيارة شباب مصريين لمقابر الإمام الشافعي قبل هدمها، وحينها لاحظوا وجود حروف كوفية في الجدار، فقاموا على الفور بإخراجها بأيديهم.
وقال الباحث في مجال التراث، مصطفى الصادق: إن "اكتشاف شاهد القبر داخل حارة الإمام الشافعي جاء من دون أي ترتيب مسبق، فالزيارة كان هدفها معاينة المقابر فقط قبل هدمها، والتي تضم قبورا منذ عصور قديمة". ويوضح: "في أحد المواقع التي تم إخلاؤها من الموتى استعدادا للهدم، دخلنا لمشاهدة شاهد قبر قديم، وفوجئنا حينها برؤية جدار مهدم في أحد زوايا الحوش، وبنظرة أقرب، لاحظنا وجود حروف كوفية غير منقوطة محفورة في الجدار". وينوّه الصادق إلى أنه "فور اكتشافهم شاهد القبر قرروا إخراجه بأيديهم، دون أن يعلموا أنهم على وشك اكتشاف شيء مذهل"، وذلك ضمن مشروع تطوعي، يقوم به هؤلاء الشباب لإنقاذ بعض التحف والآثار من التلف أو الضياع. تفسير موثوق
ويضيف: "بالفعل استجاب لطلبنا وتوجه إلى حوش الباشا لمشاهدة الشاهد، وبعد دراسة دقيقة، أكد أن هذا شاهد قبر يحمل اسم عبد الله بن عباس بن عبادة، والذي توفي في شهر رجب من سنة 229 ه، لكن كان لدي رأي آخر، لأنني رأيت التاريخ المكتوب 221 ه، فهناك اختلاف بسيط في كتابة الرقم 9 والرقم 1 في الخط الكوفي". ووصف الباحث في مجال التراث، شعوره في تلك اللحظة التاريخية، قائلا: "تراوح رد فعل الأثريين والسكان المحليين ما بين الدهشة والفرح والفخر بهذا الاكتشاف، كونه شاهد قبر نادر للغاية، ويعود إلى عصر الخلافة العباسية، ويحمل قيمة تاريخية كبيرة". ويستطرد: "نأمل في مشاهدة شاهد القبر الذي اكتشفناه داخل المتحف الإسلامي يوما ما، بعد أن تم تسليمه لحوش الباشا، والتي بدورها ستسلمه لوزارة الآثار المعنية بالخطوات المقبلة تجاه توثيق الأثر ووضعه في متحف من المتاحف المصرية". شواهد مصر وأطلق أثاريون مبادرة "شواهد مصر"، المتخصصة في الكشف عن التراث المفقود، الذي بدأ لحظة وجود مؤسسها داخل المقابر وقت عثورهم على الشاهد، والذي كان له دور كبير في إخراجه وتسليمه، إلى الجهة المسؤولة عن الأمر". ويقول الباحث في التاريخ والموثق لتراث الجبانات في مصر: إن "مبادرة شواهد مصر تقوم بدور رائع في التوعية بالحفاظ على التراث، وحملات تنظيف الأماكن الأثرية، وذلك الفضل يرجع لجهود أعضائها الذين تشرفت بمشاركتهم في هذا الاكتشاف المذهل".
الباحثون الهواة والمستقلون، المنتمون لمبادرة "شواهد مصر"، اكتشفوا شاهد قبر لسيدة تُدعى "أمامة بنت محمد بن يحيى بن خالد" يعود تاريخه إلى 1170 عاما، أي أكثر من 11 قرنا. وقالت تقارير: إن "هواة توثيق التراث المصري منذ سنوات في منطقة المقابر القديمة بالقاهرة، لتوثيق لتلك المنطقة المتخمة بالمباني والقبور التراثية بالصورينافحون ضد محاولات الهدم المنظمة للترتث العمراني حيث تعد شواهد القبور في القاهرة التاريخية وثائق معلومات وتواريخ لمناطق وشخصيات مهمة في التاريخ المصري القديم إذ تحتوي على أسماء تلك الشخصيات وتواريخ وفاتها وأحيانا تواريخ ميلادها".
ومقابل المهتمين بالتراث في الجبانات؛ تجري عمليات الهدم والإزالة التي تشهدها تلك المنطقة في القاهرة لإقامة طرق ومشروعات جديدة، أثارت الجدل عدة مرات، خلال الأشهر الماضية، بسبب إزالة مقابر وأحواش قديمة يمتد تاريخها لعقود طويل. ومن بين القبور التي كانت معرضة للهدم، قبر عميد الأدب العربي وأحد أشهر المثقفين والأدباء المصريين والعرب، طه حسين، وشيخ القراء محمد رفعت وأخيرا قبر شاعر النيل حافظ إبراهيم والذي تم التراجع عن هدم مقبرت طه حسين ورفعت بسبب الضجة التي صاحبت وضع علامات الإزالة عليه، لكن مقابر عديدة أخرى تمت إزالتها من المنطقة ومنها مقبرة الشيخ العز بن عبدالسلام والأديب يحيى حقي.
ترى عميدة كلية الآثار والتراث الحضاري في مصر، الدكتورة مونيكا حنا، أن الشاهدة المكتشفة "تعد أثرا بكل تأكيد، لأن الأثر هو ما يتعارف عليه المجتمع كأثر نظرا لأهميته، وقطعة كهذه يرجع تاريخها لأكثر من 11 قرنا من الزمن فهي أثر حتى بالمفهوم القانوني في مصر الذي يعتبر الأثر هو ما يبلغ عمره 100 سنة أو أكثر". وتضم منطقة الجبانات في مصر القديمة تضم مقابر لشخصيات تاريخية من الأسرة العلوية وشيوخ أزهر ورؤساء حكومات ووزراء سابقين من أغلب العصور، وكذلك فنانين مشهورين من العصر الحديث مثل هند رستم وصلاح ذو الفقار. وقرافة الإمام الشافعي تضم الكثير من مدافن أعلام وعظماء مصر، وعلى رأسهم الإمام الشافعي، وحوش الباشا (مقابر الأسرة العلوية) وأيضا الإمام الطحاوي، والشيخ المُزني، وبعض من مقابر قادة الجيش المصري في عهد محمد علي باشا والخديو إسماعيل، مثل: أحمد المنيكلي، وإسماعيل سليم، وإسماعيل أبو جبل، كما تضم بعض مدافن الباشوات أمثال: إسماعيل صدقي رئيس الوزراء، وأحمد باشا خيري، وبعض الفنانين والكتاب أمثال، صلاح ذو الفقار وأحمد باشا تيمور، كذلك مدفن علي بك الكبير.
أما خبير الآثار د.محمد حمزة الحداد مساعد رئيس جامعة القاهرة السابق فقال: إن "أي حفائر بالمنطقة سنجد مئات الشواهد الأثرية".
مقبرة الإمام ورش
وبعد شاهد مقبرة أمامة بنت محمد كشف ناشطون بشواهد مصر أن مقبرة الإمام ورش شيخ القراء المحققين، مهددة بالإزالة، مضيفا ولد الإمام ورش في مصر وفيها توفي ودفن في مقابر الإمام الشافعي.
وكتب الدكتور مصطفى الصادق، عبر صفحته الرسمية عبر موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، الإمام ورش هو أبو سعيد عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو بن سليمان وقد لقبه شيخه الإمام نافع بلقب ورش وهو طائر معروف، الورش أيضا هو شيء يصنع من اللبن وقد لقب شيخنا به نظرا للونه الناصع البياض.
ويعد الإمام ورش شيخ القراء المحققين وكان حسن الصوت جيد القراءة، وإذا قرأ يهمز ويمد ويبيّن القراءة فلا يمله سامعوه، وكان من الثقات في القراءة وممن يحتج بهم في ذلك، انتشرت روايته في شمال إفريقيا وغربها وفي الأندلس وهي أكثر القراءات شيوعا في العالم الإسلامي بعد رواية حفص ومن خصائصها تخفيف همزة القطع، وإمالة الألف إلى الياء في أواخر بعض الكلمات وقد ظلت قراءة ورش السائدة في مصر حتى الفتح العثماني، حيث أصبحت قراءة حفص هي القراءة المعتمدة في مصر.
غير أن ما كشفه معنيون أن قبر الإمام ورش غير مسجل في قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بوزارة السياحة والآثار ولا دخل للآثار بشأن هدمه.
إزالات عشوائية ويعد جزءا أساسيا من تسجيل القاهرة التاريخية كموقع للتراث العالمي؛ وجود المقابر الشمالية والجنوبية داخلها باعتبارها جزءا أساسيا من المدينة، وذلك بحسب تقارير دولية لليونسكو وغيرها.
وتشهد منطقة القاهرة التاريخية أعمال إزالة واسعة بغرض توسيع المحاور المرورية، فمع بداية العام الجاري 2022، بدأت محافظة القاهرة في إزالة 47 منزًلا في ميدان السيدة عائشة ونقل نحو 136 أسرة إلى مدينة الأسمرات، وأوضحت أن أكثر من 2700 مقبرة سُتهدم أيضا ضمن مشروع لتوسيع الميدان وإنشاء كوبري بديل لكوبري السيدة عائشة يربط بين طريق صلاح سالم ومحور الحضارات في منطقة عين الصيرة.
وأدرجت اليونسكو القاهرة التاريخية ضمن مواقع التراث العالمي٬ بطلب من الدولة المصرية سنة 1979، وتقع منطقة السيدة عائشة ضمن الحدود المقترحة من اليونسكو لمنطقة القاهرة التاريخية.
اليونسكو في 2014 وضع حدودا للقاهرة التاريخية لا يمكن المس بها ومنها مقابر السيدة عائشة التي تعمل الهيئة الهندسية للقوات المسلحة على محوها لإنشاء محور الفردوس.
وقال مراقبون: إنه "بالفعل لا تضع اليونسكو قواعد ملزمة للتعامل مع مناطق التراث العالمي، لكنها تضع قواعد إرشادية، يفترض أن تحولها الدول إلى قوانين ولوائح للالتزام بها".
وبغض النظر عن إلزامات اليونسكو، فإن منطقة السيدة عائشة والمناطق المجاورة والتي تقع داخل حدود القاهرة التاريخية تخضع لإشراف الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، الذي يوجد لديه اشتراطات واضحة مذكورة في قانون تأسيسه للحفاظ على النسيج العمراني في هذه المناطق٬ وهي اشتراطات ملزمة داخل مصر، بحسب تقارير مصرية.
المهندس المعماري، أحمد منصور والذي عمل لسنوات على مشروعات إحياء القاهرة التاريخية، كما كان أحد أعضاء فريق منظمة اليونسكو الذي أجرى دراسات عديدة لإحياء التراث العمراني للعاصمة علق على فكرة إنشاء محاور مرورية في تصريحات صحفية، قائلا: "يجب أن يكون هناك فكر عام للتنقل داخل المدينة، لا يركز فقط على مرور السيارات".
وأضاف أنه في أي مدينة تاريخية قديمة، نحن نتحدث عن القدرة على التنقل بمفهومه الأوسع بما يشمل المارة والمواد المستخدمة في الحرف المختلفة وخلافه، موضحا أن المحاور المرورية السابقة التي أُنشأت٬ وتركزت بشكل أساسي على تسهيل حركة السيارات، مثل شارع الأزهر وشارع محمد علي، ولم تحل مشاكل التنقل، بل على العكس فاقمت المشكلة داخل المدينة القديمة.
وقال تقرير ل"مدى مصر" إن "مسؤولية القاهرة التاريخية متفرقة بين جهات مختلفة، ولا يوجد تنسيق بين هذه الجهات، وأن المسؤولية عن القاهرة تقع بشكل أساسي على المحافظة وإدارات الأحياء الخاصة بها، والتنسيق الحضاري مسؤول عن اشتراطات البناء، والجهة المعنية بالآثار هي وزارة السياحة والآثار، والجهة التي تمتلك مساحات كبيرة من الأراضي والأملاك في هذه المنطقة هي وزارة الأوقاف، والمرور في يد وزارة الداخلية، والمرافق في يد الشركات القابضة للمرافق، والتخطيط العمراني عموما يقع ضمن اختصاصات وزارة الإسكان، الفكرة في وجود تنسيق بين هذه الجهات من عدمه".