لقي "56" شخصا مدنيا وعشرات المسلحين مصرعهم، حتى الآن، وأصيب نحو 600 آخرون حسب ما أعلنته لجنة أطباء السودان المركزية جراء القتال الدائر حاليا بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية خلال يومين فقط من الحرب الأهلية الدائرة بين الطرفين الطامعين في السلطة والحكم. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية أن الاشتباكات هزت النوافذ والمباني في مناطق عديدة في العاصمة الخرطوم، في حين سمع دوي انفجارات في ساعة مبكرة من صباح اليوم الأحد. وقالت لجنة أطباء السودان المركزية إن "إجمالي القتلى المدنيين بلغ 56″، وتحدثت أيضا عن "عشرات الوفيات بين العسكريين" لا تشملهم هذه الحصيلة. وأشارت إلى أن العدد الإجمالي للجرحى بلغ 595 "من بينها إصابات لعسكريين، منهم عشرات من الحالات الحرجة". رعب بين المواطنين وحسب قناة الجزيرة الإخبارية فلا يزال السكان يلازمون منازلهم، وتنقل ع بكري (24 عاما) -موظف تسويق بالعاصمة السودانية- أنه لم ير شيئا كهذا من قبل في الخرطوم، وقال موظف التسويق الذي اكتفى بذكر اسمه الأول فقط إن "الناس يشعرون بالرعب؛ كانوا يركضون إلى منازلهم. أقفرت الشوارع بسرعة كبيرة". وقالت لجنة الأطباء في بيان "إننا نهيب بتغليب صوت العقل والوقف الفوري لإطلاق النار العبثي الذي راح ضحيته أبرياء مدنيون عزّل، ولا بد من فتح ممرات آمنة لإجلاء المحتجزين والعالقين والمصابين لإسعافهم". وقد وثّق مواطنون سودانيون مشاهد تُظهر خوف الأهالي ورعبهم منذ اندلاع الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مناطق مختلفة في البلاد. وبرزت مشاهد احتجاز عشرات الطلبة ومعلميهم في مدرسة كمبوني بالخرطوم في أثناء تبادل القصف بين الجيش والدعم السريع، واحتجاز طالبات في داخلية كرار بشارع القصر. كما وثّق مقطع فيديو احتجاز 20 مهندسا وعاملا في برج شركة النيلين للتأمينات في شارع الجمهورية، وطالبوا بتوفير ممر آمن لإخراجهم. وأظهرت مقاطع فيديو متداولة عبر منصات التواصل الاجتماعي حالات من الكر والفر بين صفوف الأهالي في نيالا بمنطقة السوق، وذلك بالتزامن مع إغلاق محال تجارية وسط تحذيرات من اشتباكات محتملة في المدينة غرب السودان. وفي العاصمة السودانية، قالت هدى وهي من سكان حي جنوبي الخرطوم "نحن خائفون، ولم نذق طعم النوم منذ 24 ساعة بسبب الأصوات المدوية واهتزاز المنازل. نحن قلقون من نفاد الماء والغذاء والأدوية من أجل أبي، فهو مريض بالسكري". وأضافت أن "هناك كثيرا من المعلومات المضللة والجميع يكذبون. لا نعلم متى ينتهي ذلك وكيف سينتهي". وقالت تغريد عابدين وهي مهندسة معمارية تعيش في الخرطوم "إن التيار الكهربائي انقطع، ويحاول الناس ترشيد استهلاك بطاريات الهواتف المحمولة". وأضافت "يمكننا سماع دوي ضربات جوية وقصف وأعيرة نارية". وقالت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان إن من الصعب على المسعفين والمرضى الوصول إلى المستشفيات ومغادرتها، ودعت الجيش وقوات الدعم السريع لتوفير ممرات آمنة. وأظهرت مقاطع مصورة نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي طائرات عسكرية تحلق على ارتفاع منخفض فوق المدينة، وبدا أن واحدة منها على الأقل تطلق صاروخا. وفي بيان نشره في وقت متأخر من مساء السبت، طلب الجيش من السكان البقاء في منازلهم بينما كان يواصل غاراته الجوية على قواعد القوات شبه العسكرية.
أطماع البرهان وحميدتي وفي اتصال هاتفي مع الجزيرة، قال رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان إن الجيش لم يبدأ القتال وإنه قد يضطر لاستدعاء قوات الجيش من قواعده خارج الخرطوم إن استمرت المعارك. في المقابل، قال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي إن ما يحدث حاليا سيؤدي إلى حل سلمي وأي مجرم سيقدم إلى العدالة. وأضاف -في مقابلة مع الجزيرة مباشر- أن القتال لن يتوقف حتى يتم تسليم جميع المقرات. على صعيد آخر، أفاد الإعلام العسكري التابع للجيش السوداني باستمرار ما سماها العمليات النوعية للقوات الجوية لصد ما وصفه بعدوان مليشيا الدعم السريع المدعومة خارجيا. وأوضح بيان الإعلام العسكري للجيش أن القوات الجوية تقوم الآن بحسم ما دعاها التصرفات غير المسؤولة لمليشيا الدعم السريع المتمردة. في الأثناء، أفاد مراسل الجزيرة في الخرطوم بأن طائرات حربية حلقت في أجواء مناطق عدة من العاصمة السودانية. كما دعت القوات المسلحة السودانية الضباط وضباط الصف والجنود في قوات الدعم السريع إلى الانضمام للقوات المسلحة، وأن لا يكونوا أداة في هذه المعركة لتنفيذ الطموحات الشخصية غير المشروعة لقيادتهم، على حد وصفها. وقال الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة إن القوات لم تبدأ العدوان بل هي من تعرضت للهجوم من قوات الدعم السريع، وإنه لا مستقبل للسودان إلا في ظل جيش واحد تحت قيادة عسكرية منضبطة. وأضاف أن أفراد الجيش لا يسعون إلى تحقيق أي مكاسب شخصية وسيواصلون عملهم بكفاءة ومهنية ووطنية. وأكد أن القوات ستتصدى لأي محاولة غير مسؤولة، وهي تأسف لوصول البلاد إلى هذه المرحلة بسبب أطماع شخصية للقيادة المتمردة، حسب قوله.
ميزان القوة على مستوى ميزان القوة؛ يعتبر الجيش السوداني من الجيوش المتوسطة ويصنف بأنه من أقوى جيوش القرن الأفريقي ويتكون من 250 ألف جندي منهم 100 ألف من القوات العاملة، و50 ألفا من قوات الاحتياط. وتملك القوات الجوية السودانية 191 طائرة منها 45 مقاتلة و37 طائرة هجومية و25 طائرة شحن. ويعد الطيران من أهم نقط قوة الجيش في مواجهته مع قوات الدعم السريع. كما يملك الجيش السوداني 170 دبابة ونحو 7 آلاف مركبة عسكرية و379 مدفعا، وهذه الأسلحة الثقيلة تصب أيضا في مصلحة الجيش. أما قوات الدعم السريع، فلا توجد معلومات دقيقة بشأنها، ولكن بعض المصادر تقدر عدد المسلحين التابعين لها بنحو 100 ألف عنصر. أما عتادها فيتشكل بالأساس من سيارات رباعية الدفع تحمل أسلحة متنوعة منها مضادات طائرات ومدافع. ويقدر عدد هذه السيارات بنحو 10 آلاف. ويعطي هذا السلاح الخفيف قوات الدعم السريع مرونة في الحركة، خصوصا في المواجهات داخل المدن.وإذا كان الجيش يعتمد على ميزانية الدولة في تمويله، فإن قوات الدعم السريع تملك مناجم ذهب تدر عليها أموالا طائلة. كما انخرطت خلال السنوات الماضية في أنشطة تعدينية أخرى، ودخلت مجال التجارة، وهو ما مكّنها من تمويل نشاطها العسكري.
دعوات لوقف القتال وخلال الساعات الماضية، تضاعفت الدعوات إلى وقف القتال من الأممالمتحدة إلى واشنطن وموسكو وباريس وروما والرياض والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي وحتى رئيس الوزراء السوداني المدني السابق عبد الله حمدوك، لكن هذه الدعوات لم تُجدِ. وأعلنت الجامعة العربية عن اجتماع طارئ الأحد بشأن السودان بطلب من القاهرة والرياض وهما حليفان رئيسان للجيش السوداني الذي يتصدى للقوات شبه العسكرية التي تريد إزاحته من السلطة. وطلب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش "وقفا فوريا للعنف"، في اتصالات أجراها مع الطرفين المتحاربين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وزعيم القوات شبه العسكرية محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي"، وكذلك مع رئيس الانقلاب العسكري في مصر عبد الفتاح السيسي. من جهته، دعا وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن إلى "استئناف المفاوضات"، وكتب في تغريدة على تويتر الأحد "الاشتباكات بين (الجيش السوداني) وقوات الدعم السريع تهدد أمن وسلامة المدنيين السودانيين".