خيم الحزن أرجاء مصر ومحافظة الدقهلية على نحو خاص؛ إثر سقوط حافلة ركاب كانت تقل 35 راكبا في ترعة "البوهية"، أمام قرية منشأة عبد النبي بالقرب من قرية الديوس التابعة لمركز أجا محافظة الدقهلية، على طريق "أجا- ميت غمر"، صباح السبت 12 نوفمبر 2022م؛ ما أسفر عن مصرع 24 مواطنا وإصابة ثمانية آخرين فيما تستمر محاولات الإنقاذ بحثا عن آخرين، وفقا لبيان النيابة العامة. صحيفة "أخبار اليوم" الحكومية، قالت على موقعها الإلكتروني، «إن الحافلة سقطت في ترعة "البوهية"، الواقعة على طريق "أجا- ميت غمر"، وأشارت إلى أن اختلال عجلة القيادة في يد السائق هو ما تسبب بالحادث». وهرعت عناصر من قوات الإنقاذ النهري إلى مكان الحادثة، لكنها وصلت متأخرة للغاية (عدة ساعات) كانت كفيلة بوفاة بعض الناجين حيث انتشلت جثامين الضحايا، إلى مشرحة مستشفى المنصورة الدولي في الدقهلية، تحت تصرّف النيابة العامة. فيما أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي، رفع قيمة التعويض لكل مصاب في الحادث من 50 ألف جنيه إلى 100 ألف (نحو 4 آلاف دولار). من جانبها، نقلت وكالة رويترز عن مصادر أمنية، قولها إن "حوالي 35 شخصاً كانوا في الحافلة وإن الحادث وقع نتيجة السرعة وأثناء محاولة السائق تخطي سيارة أمامه اختلت عجلة القيادة وسقطت الحافلة في الترعة". سياق التحقيقات والتناول الإعلامي للآلة الإعلامية التابعة للنظام تتجه نحو تحميل السائق مسئولية الحادث دون التطرق مطلقا لشبكة الطرق ومدى تسببها في الحادث؛ حيث أفاد بيان النيابة العامة أن السائق الذي أصيب في الحادث، ثم ألقي القبض عليه لاحقا كان يتحدث بهاتفه المحمول أثناء وقوع الحادث. كما أوضح البيان أن الفحوصات أثبتت أن السائق يتعاطى المخدرات؛ وقررت النيابة عرضه على مصلحة الطب الشرعي لإجراء تحليل نهائي له بياناً لمدى تعاطيه مواد مخدرة"، وفقاً للبيان. معنى ذلك أن السائق سوف يتحمل الجريمة وحده وهو ما يتسق تماما مع توجهات النظام وتحقيقات النيابة؛ بهدف إبعاد التهمة عن الحكومة والنظام وضعف البنية التحتية رغم إنفاق مئات المليارات على شبكة الطرق خلال سنوات ما بعد انقلاب 03 يوليو 2013م. هذا الحادث المؤلم على هذا النحو يعيد التذكير بأهمية رصد أسباب ارتفاع حوادث الطرق في مصر رغم إنفاق مئات المليارات على شبكة الطرق منذ انقلاب 3 يوليو 2013م. الملاحظة الأولى، هي كثرة حوادث الطرق خلال الفترة الأخيرة؛ فيوم الأربعاء الماضي 09 نوفمبر2022م، أصيب 27 طالبا، جراء تصادم قطار وحافلة تقل طلابا في منطقة الحسينية بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية. وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قد كشف في تقرير له، أن عدد حوادث القطارات بلغت 978 حادثا عام 2021 مقابل 898 حادثا عام 2020 بنسبة ارتفاع 8.9%. كما بلغت عدد الوفيات في حوادث القطارات 405 حالات وفاة عام 2021 مقابل 296 عام 2020 بنسبة ارتفاع بلغت 36.8%. وذكر التقرير أن عدد المتوفين في حوادث الطرق في مصر بلغ 7101 حالة وفاة عام 2021 مقابل 6164 شخصا عام 2020 بنسبة ارتفاع 15.2%. وأضاف أن عدد إصابات حوادث الطرق بلغت 51511 إصابة عام 2021، مقابل 56789 إصابة عام 2020، بنسبة انخفاض 9.3%. وعدّد الجهاز أبرز أسباب حوادث السير في مصر، مثل التراخي في تطبيق معايير الأمان وعدم صيانة الطرق ورعونة القيادة وعدم التزام السائقين بتعليمات المرور. الملاحظة الثانية، أن هذه الحوادث تكشف أكذوبة تراجع معدلات حوادث الطرق التي تروجها حكومة الانقلاب؛ وكانت وزيرة التخطيط هالة السعيد قد زعمت أن شبكة الطرق الجديد أدت إلى تراجع حوادث الطرق؛ وهو الأمر الذي تكذبه الأرقام والإحصاءات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء؛ حيث قالت "إن الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق انخفضت من 12 ألفاً في عام 2019 إلى سبعة آلاف في عام 2020، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسة 41.6 في المئة"، مشيرة إلى "أن الاستثمارات في الطرق والجسور بلغت 14 مليار جنيه (نحو 891 مليون دولار) عام 2018 لترتفع إلى 26 مليار جنيه (مليار و665 مليون دولار) في 2019، ثم إلى نحو 28 مليار جنيه (نحو مليار و782 مليون دولار) في 2020، مشيرة إلى أن هذه المليارات أسهمت في خفض الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق. لكن خبير الطرق، أسامة عقيل يرى أن مصر تفتقد لوجود إجراءات موحدة معتمدة من كافة الجهات للتعامل مع حوادث الطرق ويقول: "في حالة انحراف السيارة وسقوطها في المياه (كما جرى في حادث الدقهلية)، على سبيل المثال، يذكر التقرير الطبي الغرق كسبب للوفاة ولا يتم تسجيل الحالة كحادث مروري، أي أن التسجيل يقع بشكل طبي غير إجرائي لانعدام القواعد التي تنظم التعامل مع هذا النوع من الحوادث في مصر". ويؤدي غياب الإجراءات الموحدة في التعامل مع ذلك النوع من الحوادث، وما يتسبب فيه لاحقا من تقارير طبية تخلو من تسجيل حادث الطرق كسبب للوفاة في كثير من الحالات، في عدم حصول أسر بعض هؤلاء الضحايا والمصابين على تعويضات مالية وعدم تلقي مرتكب الحادث أو المتسبب فيه أحيانا للعقوبة المناسبة. الملاحظة الثالثة، التلاعب في البيانات الرسمية من أجل تبرئة شبكة الطرق من هذه الحوادث؛ فجهاز التعبئة والإحصاء يحصر الأسباب المؤدية لوقوع حوادث السير في العامل البشري بالدرجة الأولى حيث قدر نسبة الحوادث التي وقعت بسبب أخطاء بشرية ب 75.7%، بينما تسببت الأعطال الفنية في 17.1% من إجمالي الحوادث، أما حالة الطرق وصيانتها فأدت إلى وقوع 2.9% فقط من الحوادث. وهو تقرير استهدف منه تبرئة شبكة الطرق وما بها من عيوب في تزايد معدلات الحوادث. إلا أن استشاري الطرق، دكتور أسامة عقيل، وصف فهم أسباب وقوع حوادث الطرق في مصر بكونه "خاطئا" لرفضه تحميل العنصر البشري وحده المسؤولية كاملة ويضيف: "أي حادث يقع لعدة عوامل مجتمعة لابد من دراستها بشكل علمي، فعلى سبيل المثال، عند القول بأن حادثا ما وقع بسبب تجاوز السرعة، فلماذا وقع مع قائد تلك السيارة بالتحديد دون غيره من السيارات المتجاوزة للسرعة؟ فعند توفير كل عوامل سلامة الطرق، حينها فقط يمكننا أن نحمل السائق المسؤولية كاملة". ويعزو عقيل، أسباب تزايد معدلات الحوادث في مصر إلى تهور سائقي سيارات الشاحنات (النقل الثقيل)، مشيرا إلى أن الشاحنات تشكل حوالي 20 % من إجمالي المركبات على الطرق، ويؤدي اختلاط تلك الشاحنات بالسيارات العادية على الطريق إلى ارتفاع إمكانيات وقوع الحوادث. فوفقا لعدة إحصائيات، 40% من حوادث الطرق في مصر أحد طرفيها شاحنة". الملاحظة الرابعة، أن هذه الحوادث تبرهن على حاجة مصر إلى منظومة إدارة حديثة، فوفقا لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، نقلا عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ووزارة الداخلية بحكومة الانقلاب، وصلت نسبة الوفيات إثر حوادث الطرق ما يعادل 9 أشخاص من بين كل 100 ألف نسمة، بينما في دولة مثل ألمانيا، قريبة من مصر من حيث الحجم وإجمالي عدد السكان، وصلت نسبة الوفيات إثر حوادث الطرق بها إلى 4 أشخاص من بين كل 100 ألف نسمة. وحسب مراقبين فإن من أسباب تزايد معدلات الحوادث هو أن جزءا كبيرا من الطرق السريعة في مصر يخترق التجمعات العمرانية والمناطق السكنية، كما يعاني جزء آخر من الطرق من عدم تقسيمه لحارتين متقابلتين بما يعد من الأسباب الأساسية لوقوع الحوادث، إلا أن إخراج الطرق السريعة من داخل كافة المدن المصرية وتوسيع الطرق القديمة بما قد يتطلب نزع ملكية الأفراد لبعض الأراضي يحتاجان لكثير من العمل والوقت". الملاحظة الخامسة، تتعلق بكلفة الخسارة جراء ارتفاع حوادث الطرق، فمصرع الآلاف من المواطنين سنويا جراء حوادث الطرق خسارة كبيرة لا يمكن تعويضها، فكم من عائلات تفقد عائلها وتخسر مصادر دخلها، وكم من شباب يقتلون على الأرصفة وبذلك تخسر البلاد ثروة بشرية هائلة منهم علماء وخبراء يمكن أن تستفيد بهم البلاد. أما الخسارة المادية فقد كشف دراسة أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن "التكلفة الاقتصادية لحوادث الطرق في مصر عام 2017" أن تكلفة حوادث الطرق والمرور في مصر تخطت حاجز 40 مليار جنيه عام 2017. وفي مايو 2014 قال السيسي في حوار تليفزيوني: " هعمل لك شبكة طرق في خلال سنة تمسك مصر كده". ويعتبر السيسي مشروعات الطرق الجديدة أحد المشروعات القومية الكبرى التي يقوم بتنفيذها في مصر. وكان وزير النقل الفريق كامل الوزير قال في تصريحات سابقة بحضور عبد الفتاح السيسي، إن تكلفة مشروعات الطرق والكباري التي تم إنشاؤها بلغت 175 مليار جنيه! ورغم ذلك فمعدلات الحوادث ترتفع وأرواح المصريين تزهق على الطرق كل يوم!!