قبل أسابيع من الموعد المحدد، وبشكل مفاجئ، خرجت تصريحات، عبر الإذاعة الإثيوبية، تُعلن اقتراب اكتمال الملء الثاني لسد النهضة، ثم لحقتها تغريدة لصالح بيكيلي، وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي، عبر حسابه في «تويتر»، يقول فيها إنه «تمت عملية الملء الثاني لخزان النهضة، وهذا يعني أن لدينا كمية المياه اللازمة لتشغيل التوربينات». كذلك، بث التلفزيون الإثيوبي ووكالة الأنباء الإثيوبية صورا وفيديوهات توضح اكتمال عملية الملء الثاني للسد، ليخرج بعدها رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، معلنا، في أجواء احتفالية وبكلمات قليلة عبر حسابه في «تويتر»، أنه «للعام الثاني، ننجح في ملء سد النهضة، ونهنئ شعبنا باكتمال التعبئة الثانية». وبدلا من اتخاذ مصر أية قرارات أو مواقف، ذهبت الأبواق الإعلامية والسياسية لتكذيب الأمر، وهو نهج غريب جدا إذ أن الدولة صاحبة المشروع هي من تعلن عما وصلت إليه من إنجازات، فيما السيسي ونظامه العسكري يذهب للإنكار والتكذيب حتى لا يصدق المصريون ما تقوله الحقائق على أرض الواقع. ولعل تكذيب السيسي ونظامه لما تقوله إثيوبيا، هو بحق "هري" ، الذي خرج السيسي قبل أيام لينتقده وقال للمصريين لا تسمعوا "للهري". تسويق الأكاذيب ومن ضمن "الهري" الذي يصدره السيسي للمصريين ذهب خبراء ووسائل إعلام رسمية يديرها العسكر للقول إن "إثيوبيا فشلت في إتمام الملء الثاني لسد النهضة، رغم إعلانها رسميا عكس ذلك". وفي سياق الهري، الذي يُحرّمه السيسي على معارضيه وكل المصريين والوطنيين، ويحلله لنفسه أوردت صحيفة "الأهرام" الحكومية أن "ملء السد لم يكتمل بمعدل 13 مليار متر مكعب كما كان مخططا له، واكتفت إثيوبيا بملء 3 مليارات متر مكعب فقط بسبب مشكلات فنية كبيرة". وفي السياق، علق مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية "هاني رسلان" على الإعلان الإثيوبي عبر فيسبوك "هذه ليست المرة الأولى لفشل الأحباش في تعلية السد، فشلوا أيضا في الملء الأول حيث توقفوا عند 560 مترا بدلا من 565 وأعلنوا أنهم نفذوا ملء 4.9 مليار متر مكعب في حين أنها كانت حوالي 3.5 مليار". وفي السياق، ذهب أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية، المقرب من العسكر، "عباس شراقي"، عبر "فيسبوك"، فشل إثيوبيا في الملء الثاني لسد النهضة، موضحا أن بحيرة سد النهضة تقترب من الوصول إلى منسوب الخرسانة الحالية (573 مترا)، ما يصعّب من رفعها أكثر من ذلك، خاصة في ظل استمرار هطول الأمطار، بينما توشك المياه على العبور أعلى الممر الأوسط خلال يومين. وأخطرت إثيوبيا في 5 يوليو الماضي دولتي مصب نهر النيل، مصر والسودان، ببدء عملية ملء ثانٍ للسد بالمياه، دون التوصل إلى اتفاق ثلاثي، وهو ما رفضته القاهرة والخرطوم، باعتباره إجراء أحادي الجانب. وأصرت أديس أبابا على تنفيذ ملء ثانٍ للسد بالمياه، في يوليو ، وأغسطس 2021، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه، وتقول إنها "لا تستهدف الإضرار بالخرطوم والقاهرة، وإن الهدف من السد هو توليد الكهرباء لأغراض التنمية". ومع الإعلان عن اكتمال الملء الثاني، تجنبت أديس أبابا الإعلان رسميا عن كمية المياه التي نجحت في تخزينها، الأمر الذي خلق تضاربا في التصريحات الصادرة عن مسؤوليها، وتلك الصادرة عن القاهرة والخرطوم، فبحسب تقارير وكالة الأنباء الإثيوبية الحكومية، اكتملت عملية بناء السد بنسبة 80% ، فيما المتوقع أن يصل السد إلى طاقته التوليدية الكاملة، في عام 2023، ما يجعله أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في أفريقيا، وسابع أكبر محطة في العالم. تصريحات لن توقف الكارثة ولعل كلام وسائل إعلام السيسي وخبراءه، هو «هري»، لن يقدم ولن يوقف المآل الكارثي لمصرمع اكتمال سد النهضة الذي يحرم المصريين من نصف حصتهم المائية. لكن مع الإعلان الإثيوبي من دون توقيع اتفاق مُلزم بين مصر والسودان وإثيوبيا، يمكن توجيه السؤال نفسه إلى النظامَيْن المصري والسوداني على السواء: هل كان التصعيد وخلْق حالة من عدم الاتزان من جانب النظامَين «هري»؟ وبماذا يمكن توصيف مشاركة الحكومتين مواطنيهما جزءا يسيرا من المعلومات، وتركهما أكثر من 150 مليون مصري وسوداني تتلقفهم التصريحات من كل جانب، بغير أنه «هري»؟. من جهتها، أصرت إثيوبيا، على لسان رئيس وزرائها، آبي أحمد، على أن الملء الثاني تم بسلام، كما جرى في إطار الملء الأول، متوقعا أن تتم مراحل الملء المتبقية بسلام أيضا، من دون أي أضرار تُذكر، وبررت أديس أبابا انتهاء الملء الثاني قبل الوقت المقرر، بوفرة الأمطار وغزارتها في هذا الموسم، ما ورد على لسان آبي، يتوافق مع البيان الصادر عن وزارة الري السودانية، الأحد، والذي طلب من القاطنين على جانبي النيل الأزرق اتخاذ الحيطة والحذر، جراء ارتفاع مُتوقع للمياه، نتيجة الأمطار الغزيرة في الهضبة الإثيوبية. ومن هذا المنطلق، يقول السودان إن «الفيضانات فاجأت إثيوبيا أثناء العمل على تعلية الممر الأوسط، بالتالي لم تستطع استكمال الإنشاءات وتعلية ممر السد الأوسط إلى 595 مترا، كما كان مستهدفا». ومع استمرار هزائم السيسي في الأممالمتحدة وفي مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي، بتجاهل المطالب المصرية بإصدار قرارات ملزمة لإثيوبيا بوقف الاجراءات المنفردة، تسير مصر إلى مسار غير نهائي من المفاوضات المفتوحة بلا هدف أو سقف محدد؛ ما يعرض مصر لمصير كارثي من الجوع والعطش والجفاف والتصحر. فيما من ينطق من المصريين بكلمة، مصيره السجن والاعتقال في زنازين السفاح السيسي.