فى ظل انهيار المنظومة الصحية والفقر المتزايد والتعامل غير الإنساني مع المرضى فى المستشفيات الحكومية وانشغال نظام الانقلاب بزيادة ثروات عصابة العسكر؛ انتشرت الأدوية منتهية الصلاحية في مصر وأصبح لها سوق كبيرة رائجة خاصة بين الفئات الفقيرة التي تلجأ لهذه الأدوية بدلا من اللجوء إلى الصيدليات؛ حيث أسعار الأدوية بها مرتفعة وليس في مقدرتهم الحصول عليها. وانتشرت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى لبيع أدوية محلية ومستوردة، وتوفير نواقص الأدوية، كأدوية الأورام والسكر والضغط بأسعار مختلفه، فضلا عن الملصقات التي تنتشر في وسائل المواصلات والشوارع تطلب شراء الأدوية المستعملة بنصف الثمن، تلك الحيل لجأ إليها البعض لجذب المرضى والتربح من ورائهم، ويتهافت الكثيرون لشراء تلك الأدوية دون أن يدركوا خطورتها، فيقع المريض في شباك هؤلاء التجار ويظل يتناول العلاج على أمل الشفاء دون أن يدرك أن ما يتناوله كبسولات مسمومة أو بلا فاعلية قد تؤدى إلى وفاته بدلا من شفائه. وتشير البيانات إلى أن حجم تجارة الأدوية منتهية الصلاحية يبلغ مليارا و200 ألف جنيه، تمثل 2٪ من إجمالى حجم الأدوية الموجودة بالسوق. من جانبها أكدت نقابة الصيادلة أن حجم تجارة الأدوية المهربة يتراوح من 3 إلى 10٪ من حجم تجارة الأدوية فى مصر، مشيرة إلى أن 80% من هذه التجارة تباع خارج الصيدليات. واعترفت الإدارة المركزية لإدارة الصيدلة بوزارة الصحة أن تجارة الأدوية المغشوشة تمثل نحو 10% من مبيعات الأدوية، التي بلغت فى 2018 نحو 90 مليار جنيه، متخطية النسبة العالمية التي تقدر ب6%. وأشارت إلى أن الأزمة حدثت نتيجة عدم التزام الشركات المنتجة بسحب النسبة المنصوص عليها في القرار الوزاري 499، والخاصة بالأدوية منتهية الصلاحية؛ ما أدى إلى ظهور كميات كبيرة من الأدوية الراكدة داخل كل صيدلية. شركات الأدوية حول هذه الأزمة قال الدكتور عصام القاضى إن شركات الأدوية ترفض سحب الأدوية منتهية الصلاحية من الصيدليات، وفشلت كل محاولات التوصل لحلول بين الشركات وأصحاب الصيدليات، لافتا إلى أن هذا الوضع دفع البعض إلى تغيير مدة الصلاحية ووضع الأدوية في عبوات مختلفة وبيعها بنفس السعر لأصحاب مخازن الأدوية وبذلك تصل إلى الأسواق من جديد. وأضاف: من المستحيل أن يقوم الصيدلي بتغيير صلاحية أي منتج، مشيرا إلى أن بعض مخازن الأدوية يمكنها إعطاء فواتير في أي وقت وبأية كمية وتروج لتلك الأدوية بأسعار مخفضة، وتتولى تلك المخازن توزيعها على الصيدليات، وأوضح "القاضي" أن الخطورة تكمن في إمكانية إصابة متناولي تلك الأدوية بالسرطان، فضلا عن أن المريض يظل يتناول الأدوية على أمل الشفاء ثم يفاجأ بتأخر حالته، لكون تلك الأدوية عديمة المفعول، وقد يصل الأمر في الحالات التي تحتاج لأدوية السيولة إلى الوفاة، وأكد أن أصحاب النفوس المريضة هم السبب فى انتشار تلك المظاهر؛ حيث يبحث أغلبهم عن الأدوية مرتفعة الثمن والحيوية لكسب مزيد من الأرباح على حساب المرضى، ومن ناحية أخرى فإن أغلب الصيدليات تلجأ لجمع الأدوية منتهية الصلاحية لكن القليل من الشركات المنتجة تقبل استرجاع نسب بسيطة منها، بينما تلجأ صيدليات أخرى، نتيجة لحالة الركود، إلى شراء كميات قليلة من الأدوية حتى لا تتعرض للخسارة، لكن معدومي الضمير لديهم القدرة للوصول إلى تلك الأدوية وإعادة تدويرها بمصانع بير السلم وبيعها، فضلا عن أن رفض الشركات استرجاع تلك الأدوية قد يؤثر على سمعتها ويخفض مبيعاتها. وطالب "القاضي" بتخصيص "باركود" لكل دواء بداية من المادة الفعالة حتى التصنيع والتداول، وتلك هي أهم خطوة، وهى المخازن التى تعتمد على الباركود، وبذلك يمكننا متابعة كل مراحل الغش والتزوير. المادة الفعالة وأكد الدكتور محمود عمرو مدير مركز السموم بمستشفى قصر العينى، أن أية مادة كيماوية لها مدة صلاحية لأن الجزيئات التي تتركب منها تلك المواد تتحمل التماسك لمدة محددة، كما أن تحولها لمادة أخرى يحتاج وقتا آخر. وقال "عمرو" في تصريحات صحفية إن تجارب تلك المواد قبل الاستخدام تحدد الفترة المحددة لاستخدامها، موضحا أنه بعد انتهاء مدة صلاحية الأدوية والمحددة على العبوات نجد أن المادة الفعالة تتحول إلى مادة أخرى ولا تصلح للتناول لأن تأثيرها سيصبح بلا قيمة أو سيكون لها ثأثير عكسي؛ لكونها ستصبح ملوثة وتسبب التسمم. وأشار إلى أن الأدوية يتغير تركيبها الكيميائي بمجرد انتهاء صلاحيتها، وهناك بعض الأدوية يجب وضعها في درجات حرارة منخفضة لحفظها من الفساد، فتلك المرتجعات يجب أن تعود للشركات مرة أخرى حتى لا يتم استغلالها بصورة سيئة، وكشف عمرو أن أدوية السرطان تباع بأسعار مرتفعة، وعندما يلجأ البعض لإعادة تدويرها تتحول لمواد مسرطنة نظرا لتغير تركيبها الكيميائي، ولن تؤدي إلى نفس المفعول، وهذه كارثة يجب على الدولة أن تحاربها. ونصح المواطنين بعدم شراء الأدوية إلا من صيدليات موثوق فيها، مشددا على ضرورة إنشاء هيئة رقابة على الأدوية؛ ما قد يقضي على 70% من حالات التسمم. قرار ملزم وأكد الدكتور محمد العبد "رئيس لجنة الصيدليات بالنقابة العامة للصيادلة" أن الأدوية التي يتم تداولها على صفحات التواصل الاجتماعي مغشوشة أو مهربة وغير مسجلة ويتم بيعها بأسعار رخيصة. مشددا على ضرورة أن تكون هناك رقابة على بيع الأدوية، لأن تلك الأدوية لا يمكن استخدامها مرة أخرى، كما أن أغلب الشركات المنتجة ترفض المرتجعات خوفا من تعرضها للخسائر. وطالب بأن تكون هناك عقوبات على الشركات الممتنعة عن قبول المرتجعات، مؤكدا أنه في نهاية عام 2015 كانت هناك اتفاقية مع غرفة صناعة الدواء بإلزام الشركات بسحب الأدوية منتهية الصلاحية من الصيدليات، لكن الشركات لم تلتزم لعدم وجود عقوبات على تلك الشركات التي رفضت بدعوى تعرضها للخسائر. وأشار "العبد" إلى أن تلك الأدوية أصبحت تباع في الشوارع من معدومي الضمير، مشددا على ضرورة إصدار قرار وزاري يلزم شركات الأدوية بسحب المرتجعات ويعاقب الممتنعين، لأن تلك الأدوية يصعب التخلص منها فتتكدس لدى الصيدلي بالمخازن، والبعض يلجأ لإلقائها في القمامة مما يتيح الفرصة لمعدومي الضمير بجمعها وإعادة تصنيعها فتتحول إلى سموم.