في 5 مارس الماضي، حذفت حكومة عبد الله حمدوك السودانية اسمها من تأييد مشروع قرار لجامعة الدول العربية بشأن سد النهضة يؤيد الحقوق المصرية في مياه النيل، وتحفظت لاحقا على القرار، وقال خبراء موالون للانقلاب إن السودان سعى أيضا إلى إفراغه من مضمونه. وصباح أمس الأربعاء، رفضت نفس الحكومة السودانية مقترحا إثيوبيا يقضي بتوقيع اتفاق جزئي للملء الأول لسد النهضة، وأعلنت تمسكها بالاتفاق الشامل بين الدول الثلاث (السودان، ومصر، وإثيوبيا). وخاطب رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، برسالة يرد بها على رسالة الأخير، والتي اقترح فيها توقيع اتفاق جزئي بين الجانبين للملء الأول لسد النهضة، بحسب ما ورد في بيان صادر عن وزارة الري السودانية. وأكد حمدوك، أن الطريق للوصول إلى اتفاقية شاملة هو الاستئناف الفوري للمفاوضات، والتي أحرزت تقدما كبيرا خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، في إشارة منه للاتفاق الثلاثي. مجموعة مدنية الخبير د.أسامة رسلان، من مركز الأهرام، اعتبر أن الموقف السوداني الجديد، والمتفق مع دعوات القاهرة للتضامن في أزمة السد، جاء بعد أن دعت المجموعة المدنية المناهضة للسد الاثيوبي، في تعميم صحفي أمس، الحكومة بإثبات مقدرتها على الحفاظ على حقوق السودان المائية والأمنية، ونشر أسماء ومؤهلات أفراد لجنة التفاوض السودانية، في ظل تدفق معلومات تفيد بوجود شخصيات غير مؤهلة من ناحية التخصص والخبرة في اللجنة القانونية والتفاوضية. وأكدت المجموعة أن الحكومة الانتقالية عليها مطالبة إثيوبيا باستكمال أمان السد والالتزام بتعويض السودان عن الآثار البيئية والاجتماعية المترتبة على سكان المدن النيلية ومن فقدان الجروف. الفقشة والبعير ولكن الخبيرة الدولية المستشارة هايدي توفيق عبد الحميد، مستشارة ترسيم الحدود وقضايا السيادة الدولية، فاعتبرت أن منطقة الفقشة السودانية كانت القاصمة للعلاقات السودانية الإثيوبية في موقفها الأخير من سد النهضة؛ بسبب أطماع إثيوبيا في أراضي الفقشة والتي قدرتها بنحو 265 كلم. وأضافت أن الأراضي الزراعية التي تم التعدي عليها من قبل الإثيوبيين بلغت نحو مليون فدان بما يعرف بأراضي الفشقة، والتي تمتد من سيتيت وباسلام شرقا حتى منطقة القلابات جنوبي القضارف، لافتة إلى أن المنطقة نجم عنها اضطرابات حادة بين الطرفين وحروب مباشرة وغير مباشرة، فقدت فيها أرواح عزيزة، رغم أن كافة ترتيبات ترسيم الحدود بين البلدين كانت قد اكتملت، حيث تم تحديد إحداثيات "خط قوين”، الذي تم رسمه ضمن معاهدة أديس أبابا عام 1902. وأضافت أن وثيقة أخرى تعود لعام 1963، حيث صادقت الدول الإفريقية بمنظمة الوحدة على عدم تغيير الحدود المرسومة بواسطة الاستعمار، واعتمادها حدودا فاصلة بين الدول المستقلة. ولكنها أشارت إلى خارطتين حفظتا بالأرشيف البريطاني تعين خط قوين في أماكن مختلفة ليبقى الصراع قائما ويستفيدون منه، لكنها أشارت إلى نسخة أخرى من الخارطة موجودة في مصر، وأنه تم التلاعب والتحريف في تنفيذ نص المادة الأولى من اتفاقية 15 مايو 1902 فحددت خطا أحمر غير متقطع كخط حدود أفرزته الاتفاقية بالمخالفة للبند الأول من الاتفاقية التي تجعل من الخط المتقطع الأحمر هو الانعكاس الصحيح لاتفاقية 1902. وأضافت "وكأن سيناريو التحريف والتزييف هو صنيعة استعمارية قديمة لحرمان الشعوب من مقدراتها". توضيحات خبير مياه الدكتور محمد حافظ كشف عن مخططات خبيثة لآبي أحمد فيما يتعلق بالفقشة، واستغرب احتفاظ الحكومة السودانية بهذا السر منذ 10 أبريل 2020، وهو تسلمها خطاب الحكومة الإثيوبية يوم 10 أبريل 2020، وخلال اليومين التاليين 11 و 12 أبريل تم نشر عدد كبير جدا للقوات المسلحة السودانية على الحدود مع إثيوبيا، واسترجاع منطقة الفشقة ذات المليون فدان، والتي كانت (العصابات) الإثيوبية قد وضعت يدها على تلك المنطقة تحت حماية الجيش الإثيوبي. وأضاف أنه خلال تلك الفترة، أعلن رئيس وزراء إثيوبيا عن أن من حق السودان حماية حدودها، وأن منطقة الفشقة سودانية، وانتشار الجيش السوداني أمر طبيعي، وأن إثيوبيا لا دخل لها بما يحدث داخل الحدود السودانية. وأوضح حافظ أن موقف آبي أحمد كان نفاقا، لكي توافق حكومة السودان على اتفاق ثنائي وتوقع وحدها على اتفاقية جزئية تسمح لإثيوبيا بملء سد النهضة دون الوصول لاتفاق ثلاثي بين إثيوبيا ومصر والسودان. وأشار إلى أن الموقف الذي اتخذته حكومة السودان برفض الاتفاق الثنائي مع إثيوبيا كان معلنا للجانبين في 15 أبريل الماضي، وأن الأسابيع الثلاثة الماضية شهدت عودة حالة الشد على الحدود بعد تحقيق الهدف من استرجاع الفشقة. وأشار خبير المياه والأكاديمي بجامعات ماليزيا، إلى أن خوف حمدوك وأي مسئول سوداني من التوقيع المنفرد مع إثيوبيا يرجع لعدم ثقة السودان في عوامل أمان سد النهضة، مبينا أن ذلك لب المشكلة السودانية- الإثيوبية. وأوضح أن عبارة "أمان السد" تكررت عدة مرات في خطاب الرفض السوداني، مشيرا إلى أن الأمر ليس فقط حرصا على الطرف الثالث مصر، بل في جوهره مشكلة سودانية وجودية أكثر أهمية من حرص حمدوك على مصالح مصر. في صالح السودان وزير الري السابق محمد نصر علام، الأستاذ بهندسة القاهرة، قال إن القرار السوداني قوي و"فى صالح السودان جملة وتفصيلًا ويماثل رد الفعل المصري، ويجنب الدولتين محاولة الهروب الإثيوبي الكبير من توقيع اتفاق شامل يضمن سلامة السد الإنشائية ويجنب مصر والسودان التداعيات الهيدرولوجية والبيئية الكبيرة لسد النهضة، وخاصة في أوقات الجفاف وكذلك أثناء الفيضانات العالية، وخاصة مع ما حدث هذه الأيام في خزان أوين، وغرق جنوب السودان بفيضانات بحيرة فيكتوريا ليس ببعيد. وقال إن من شأن القرار السوداني عدم التعدي على الإيرادات التاريخية لمصر والسودان من مياه النيل الأزرق، ويحول بين إثيوبيا وأهدافها السياسية للهيمنة والتحكم في النيل الأزرق لتنفيذ أجندتها السياسية في المنطقة. وثمن خطوة السودان واعتبرها تستحق تحية كبيرة لشعب السودان وحكومته وعود سوداني لدوره التاريخي العربي والإفريقي.