بعدما هاتف الرئيس الأمريكي ترامب أحد قادة طالبان بعد حرب استمرت نحو 19 عامًا بين الجانبين، علق المحلل الفلسطيني د.صالح النعامي بجملة في مجمل وصف الحدث، فقال: “ترامب يتطلع للقاء قادة طالبان بعد أن وافق على الانسحاب من أفغانستان.. طالبان التي كانت تشكيلًا إرهابيًّا في العرف الأمريكي، بات قادتها مرحبًا بهم في البيت الأبيض.. هذا حدث بالمقاومة والتمسك بالثوابت وعدم استصغار الذات.. عظيم أن قادة طالبان لم يقرءوا كتاب “الحياة مفاوضات” لصائب عريقات”. وأجرى الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، الثلاثاء، ولأول مرة، اتصالًا هاتفيًا بأحد القادة البارزين بحركة “طالبان” الأفغانية، الملا عبد الغني برادر، بعد أيام من توقيع اتفاق بين الولاياتالمتحدة والحركة، ينص على انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان. وأعلن “ترامب” أنه أجرى مكالمة هاتفية “جيدة جدا” مع زعيم طالبان، وأبلغه “بأننا لا نريد العنف وسنرى ما يحدث”، بحسب ما نقلته قناة “الحرة” الأمريكية. وكان المتحدث باسم “طالبان”، “ذبيح الله مجاهد”، ذكر في تغريدة على “تويتر”، أن المكالمة أجريت بين “ترامب” والملا “عبد الغني برادر”، نائب رئيس الشئون السياسية في الحركة. وقال “مجاهد”: “رئيس الولاياتالمتحدة ترامب أجرى محادثة هاتفية مع النائب السياسي للإمارة الإسلامية الموقر الملا برادر أخوند.. التفاصيل في وقت لاحق”، لافتا إلى أن المحادثة استمرت أكثر من 30 دقيقة. وسرت فترة “خفض العنف” بين الولاياتالمتحدة و”طالبان”، بعد توقيع اتفاق تاريخي في الدوحة، قبل أيام. الإخوان وطالبان مع بداية انطلاق المفاوضات برعاية قطرية ومن قبلها الإمارات، كتب الصحفي عبد الفتاح فايد في 30 أبريل الماضي: “البيت الأبيض: ترامب بحث مع مستشاريه وقادة في الشرق الأوسط تصنيف الإخوان منظمة إرهابية.. يصنف الإخوان جماعة إرهابية ويتحاور في الوقت نفسه مع طالبان.. يعلن معاداة إيران ويصنف خصومها إرهابيين.. تناقضات أم مناورات تستهدف الجميع؟”. وعلى صعيد الوضع في أفغانستان بعد توقيع الاتفاق في 29 فبراير الماضي، تراجعت فعليا عدد الهجمات بمختلف أنحاء أفغانستان، خلال الأسبوع الذي سبق التوقيع، السبت الماضي، على الاتفاق. وفي إطار زمني امتد 14 شهرا لانسحاب جميع القوات الأجنبية من أفغانستان، إذا التزمت “طالبان” بعدة تعهدات وانخرطت في محادثات مع كابول من أجل التوصل إلى اتفاق سلام أوسع نطاقا. وعلى إثر الهدنة الجزئية، خرج العديد من الأفغان إلى الشوارع للاحتفال على أمل انتهاء الحرب التي استمرت ل18 عاما. هجمات 2019 طالبان، التي وقّعت بعد مفاوضات استغرقت أقل من عام ونصف العام، في الواقع، لم توقف هجماتها على مدار العام الماضي، بل ازدادت وتيرتها منذ مطلع 2019، رغم أنها تسعى لسلام ولكن بشروطها. وتركت طالبات التفاوض مع الحكومة الأفغانية، وفضلت عليها الحوار المباشر مع أمريكا وإلا مواصلة القتال، حتى بعد توقيع الاتفاق. الرئيس الأفغاني أشرف غني، في بيان له في سبتمبر الماضي، رحب قائلا: “السلام الحقيقي لا يمكن تحققه إلا بتوقف حركة طالبان عن العنف وإجراء محادثات مباشرة مع الحكومة”. وبدت حركة طالبان مصدومة من الخطوة الأمريكية، إلا أنها أعلنت استعدادها للعودة للتفاوض، مشيرة إلى أن كل الخيارات باتت مفتوحة. #Breaking The President of the United States Trump @realDonaldTrump held a phone conversation with the Political Deputy of the Islamic Emirate, the respected Mullah Baradar Akhund. Details later. pic.twitter.com/p1iJpempNz — Zabihullah (..ذبيح الله م ) (@Zabehulah_M33) March 3, 2020 دور قطري ويرى مراقبون أن توقيع الاتفاق في قطر يعد بمثابة انتصار دبلوماسي للدوحة، رغم جهود دول خليجية على خلاف معها، لتهميش دورها على الصعيد العالمي. وفشلت أبو ظبي فيما نجحت به الدوحة، حيث استضافت الإمارات، في ديسمبر 2018، ولأول مرة، اجتماعا بين ممثلي “طالبان” ومسئولين أمريكيين، وبحضور كل من السعودية وباكستان. وقال مراقبون، إن الدوحة تعترف أصلا بحركة “طالبان”، وللحركة مكتب سياسي بالدوحة، ونجحت في وساطات سابقة على صلة بالملف الأفغاني (تحرير رهائن غربيين)، كان لقطر الأسبقية في رعاية المفاوضات الماراثونية التي استمرت 18 شهرا. وكشف قياديون بحركة طالبان عن نية أبو ظبي في قتل عدد من الدبلوماسيين من أعضاء طالبان بأبو ظبي ففروا منها دون عودة. المستشار السابق لولي عهد أبو ظبي “عبد الخالق عبد الله”، قال على حسابه على التواصل: إن اتفاق الولاياتالمتحدة وطالبان كان يجب أن يتم برعاية دولة خليجية أخرى (في إشارة للإمارات) غير قطر، مضيفا أن الاتفاق يعتبر نصرا للدبلوماسية الخليجية. وشاركت نحو 30 دولة في حفل التوقيع، أبرزها الولاياتالمتحدة وتركيا وباكستان وعمان، إضافة إلى مشاركة 4 منظمات دولية. سباق واشنطن وقالت تقارير، إن واشنطن، على خلاف طالبان، كانت تسابق الزمن في سبيل تحقيق اتفاق سلام مع الحركة، قبل موعد الانتخابات الأفغانية المقررة في 28 سبتمبر 2019، وقبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2020، بينما لا تبدو طالبان في عجلة من أمرها في ظل زيادة نفوذها وسيطرتها على الأرض. بل صعّدت حركة طالبان عملياتها العسكرية ووسعت من نطاق هجماتها مع تقدم المفاوضات في الجولة التاسعة، التي انعقدت في الدوحة في 6 سبتمبر 2019. وكانت الجولة الثامنة من المُفاوضات بين حركة طالبان والولاياتالمتحدة، في 12 أغسطس الماضي، قد انتهت دون صدور أيّ بيان، مما دل على عدم التوصل لاتفاق. وبرهنت حركة طالبان قبل الاتفاق وبعده على أنها قوة قتالية هائلة في أفغانستان، وأن التوصل إلى سلام لا يمكن أن يتحقق مستقبلا في أفغانستان دون أن تتفاوض حكومة كابول مع طالبان، وباتت الدول الكبرى تتسابق لخطب ود الحركة في سياق تجنب الآثار الكارثية في حال عودة طالبان إلى حكم أفغانستان. وفي سياق اللعبة الاستراتيجية الكبرى، فقد دخلت الولاياتالمتحدة في مفاوضات مباشرة مع الحركة، بعد أن استضافت روسيا وفدا من الحركة لبحث عملية السلام، واعترفت الصين بشرعية الحركة، فضلا عن سعي الهندوإيران وغيرهما لنسج علاقات ودية مع طالبان. وأكد مراقبون أن الاستراتيجيات العسكرية الأمريكية في أفغانستان فشلت في كسر شوكة طالبان، ومحاولة دفعها للقبول بتسوية هزيلة مع ذروة وجود القوات الأمريكية وحلفائها. فقد بلغ عدد القوات الأمريكية ذروته عام 2011، حيث وصل إلى 100 ألف جندي أمريكي، دون تحقيق تقدم يذكر. وبلغت نفقات وزارة الدفاع الأمريكية المنظورة لوحدها في أفغانستان 840 مليار دولار، حسب “مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية”، وحسب الأرقام التي نشرتها وزارة الدفاع الأمريكية، يبلغ مجموع ما أنفقه الأمريكيون عسكريا في أفغانستان، منذ أكتوبر 2001 إلى مارس 2019، نحو 760 مليار دولار. وخلصت الدراسة إلى أن الأرقام الرسمية لا تشمل تكاليف الإنفاق على العناية بالجرحى من العسكريين الأمريكيين، ولا الأموال التي أنفقتها وزارات الدولة الأمريكية الأخرى، والمتعلقة بالحرب في أفغانستان ولا الفوائد التي تكبدتها الحكومة بسبب القروض التي أخذتها لسد نفقات الحرب. وقدرت دراسة جامعة براون كلفة الحرب في أفغانستان بأنها أقرب إلى تريليون دولار، وقد تسببت الحرب بخسائر بشرية كبيرة، وكان نصيب قوات الولاياتالمتحدة الأكبر مع سقوط 3200 قتيلا ونحو 20,500 جريحا منذ 2001، وهو رقم يتجاوز مرتين حجم خسائر دول التحالف هناك. وكان الرئيس الأفغاني قد قال في وقت سابق من العام الحالي: إن أكثر من 45 ألف من العسكريين الأفغان قتلوا منذ توليه منصبه في عام 2014.