يمتد عمر الصداقة التركية الجزائرية لخمسة قرون مضت، يشهد عليها مسجد “كتشاوة” بمنطقة القصبة بالعاصمة الجزائر الذي بني خلال العهد العثماني، وظلت الجزائر جزءًا من الدولة العثمانية، اعتبارًا من عام 1519 حتى احتلالها من قبل فرنسا عام 1830. وعادت العلاقات بين البلدين للتوهج مجددًا فور إعلان الجزائر استقلالها وتخلصها من الاحتلال الفرنسي في 1962، وفتحت تركيا سفارتها هناك في 1963، واشتدت جذوة العلاقات مع وصول حزب “العدالة والتنمية” للحكم في تركيا عام 2002، ثم قيام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بزيارته للجزائر عام 2006، عندما كان يشغل منصب رئاسة الوزراء. الملف الليبي وعلى نقيض تركيا، تورَّطت الإمارات ضمن دورها المشبوه بالتدخل بشكل سلبي وإجرامي في الجزائر التي شهدت ثورة شعبية لتغيير النظام الحاكم، وقادت الإمارات غرفة عمليات مشتركة تشمل السعودية وفرنسا لتحجيم الثورة الشعبية في الجزائر وتحديد خليفة الرئيس الراحل بوتفليقة. وجرى تنسيق وقتها وعلى أعلى المستويات الأمنية بين الرياضوأبوظبي وأطراف سياسية جزائرية من جانب آخر، وذلك في مساعٍ جادة لإعادة صياغة المرحلة القادمة، بعد سقوط بوتفليقة، في ظلِّ العلاقات القوية التي تجمع شيطان العرب محمد بن زايد تحديدًا مع باريس، التي تظهر في التنسيق بين الجانبين في الملف الليبي وبالتعاون مع جنرال إسرائيل السفيه عبدالفتاح السيسي. وأبلغ الطرف الفرنسي وقتها أيضًا السعودية والإمارات عن موافقته على تأسيس غرفة للعمليات الاستراتيجية، لمحاولة منع توسع الحراك الجزائري واحتوائه، وتمت عدة لقاءات وزيارات بين شخصيات أمنية سعودية وإماراتية من جانب، وأخرى فرنسية بالرياضوأبوظبي؛ حيث جاءت هذه اللقاءات بدفع ودعم سياسي من الإمارات. وليس بعيدًا عن الجزائر، مارست الإمارات دورًا عدوانيًّا في ليبيا منذ سنوات سعيًا لخدمة أطماعها في مقدرات البلاد الغنية بالموارد ومؤامراتها لكسب النفوذ والتوسع. وتدعم أبوظبي ميليشيات مجرم الحرب خليفة حفتر بالعتاد العسكري والمال ودفعته منذ أبريل الماضي لمحاولة الانقلاب على حكومة الوفاق الوطني المعترف بها طرابلس عبر محاولة السيطرة على العاصمة طرابلس، إلا أن تدخل تركيا بطلب من حكومة الوفاق الليبية كان عامل تهديد جديًّا لأطماع وممارسات الإمارات في ليبيا؛ إذ وصل مستشارين عسكريين اتراك إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق في موجهة ميليشيات حفتر. وجاء قرار تركيا إرسال مستشارين وخبراء فنيين استجابة لطلب من حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج، وسبق أن زودت تركيا قوات الحكومة المعترف بها بطائرات مسيرة وعربات مدرعة من أجل الدفاع عن العاصمة طرابلس؛ الأمر الذي كان له دور في المسارعة بتعطيل الهجوم الذي شنَّته قوات حفتر، غير أن دبلوماسيين ومحللين يقولون: إن الدعم التركي لم يكن في كثير من الأحيان كافيًا في مواجهة القوة الجوية التي وفرتها دولة الإمارات دعمًا لميليشيات حفتر والدعم التكنولوجي الذي أتاحه متعاقدون عسكريون روس منذ سبتمبر الماضي. طرابلس خط أحمر وتتفق تركياوالجزائر على ضرورة دعم حكومة الوفاق الوطني الليبية الشرعية المعترف بها دوليًّا، وتمهيد الطريق أمام فرقاء النزاع الليبي للعودة إلى طاولة الحوار وتمكين الحل السياسي. وتصاعد التعاون والتنسيق بين تركياوالجزائر في الآونة الأخيرة، لا سيما في الملف الليبي، وبلغ التقارب بين الجانبين ذروته بعد دعوة الرئيس الجزائري الجديد عبدالمجيد تبون الثلاثاء الماضي، نظيره التركي رجب طيب أردوغان لزيارة الجزائر، ووافقت أنقرة على الدعوة، على إثر محادثات مكثفة أجراها الطرفان حول ليبيا. وعلى الرغم من أن موقف الجزائر ليس جديدًا في الشأن الليبي، فإنه اكتسب زخمًا وطابعًا أكثر صراحةً وعلانيةً في الآونة الأخيرة، لا سيما بعد تسلُّم الرئيس تبون السلطة في البلاد، بالتوازي مع تفاقم خطر سيطرة ميليشيات الضابط المتقاعد خليفة حفتر المدعوم من بعض الدول العربية على العاصمة طرابلس. فمع وقوع مجزرة الكلية العسكرية التي ارتكبتها طائرات حفتر في طرابلس وراح ضحيتها العشرات من طلاب الكلية في الرابع من الشهر الجاري، سارعت كل من تركياوالجزائر إلى إدانة القصف. واستقبلت الجزائر بعد يومين رئيس حكومة الوفاق فائز السراج الذي طلب المساعدة، كما استقبلت في اليوم نفسه وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، وسط تأكيد الرئيس تبون دعم الحكومة الليبية الشرعية وتشديده على أن “طرابلس خط أحمر”.