وصف قانونيون وسياسيون حكم محكمة الأمور المستعجلة الثلاثاء بحظر أنشطة حماس بزعم اعتبارها جماعة إرهابية بالباطل والمنعدم والصادر من محكمة غير مختصة، كما أنه مخالف لجميع الدساتير المصرية والاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تعتبر حماس حركة مقاومة وتحرر وطني تمارس حقها الطبيعي في مقاومة الاحتلال، وأن دعمها واجب على دول الجوار وأولها مصر، مؤكدين ل"الحرية والعدالة" أن الحكم يأتي في إطار ما وصفوه بالحملة الممنهجة وحرب يشنها سلطات الانقلاب ضد حماس وحركات المقاومة والقوى الإسلامية من أجل عودة مصر للحظيرة الأمريكية ولتدمير كل الكيانات أو القوى التي تهدد أمن إسرائيل، ولإرضاء المشروع الصهيو أمريكي والتخديم عليه وعلى القضايا المنظورة ضد الرئيس والنظام الشرعي. وحذروا من سعي الانقلاب لتجفيف كل منابع دعم فلسطينوالقدس باستهداف الأشخاص واللجان والمؤسسات الداعمة لها بالملاحقة والاعتقال والغلق، والحكم يجرم حماس، ويحاول شرعنة الحرب ضد حماس والذي سيجعل كل داعميها متهمين بالإرهاب ويحظر على قيادات حماس دخول مصر، متوقعين المزيد من التصعيد في ظل تبدل مفهوم العدو والصديق وتغيير الثوابت المصرية. ليس هذا المشهد الوحيد للحرب على المقاومة الفلسطينية؛ إذ سبق وألغت وزارة الأوقاف بحكومة الانقلاب في 24 فبراير 2014 لجنة القدس التابعة للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية وهي أول لجنة رسمية حكومية تختص بالقضية الفلسطينية، في حين أن تفعيلها كان بالأساس في العام من حكم الرئيس مرسي، حيث تولاها د.جمال عبد الهادي في ظل رئاسة الدكتور صلاح سلطان للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية في ظل حكومة الأوقاف الشرعية، وكانت قد أخذت على عاقتها عملية إيقاظ الوعي لدى المواطن بالقضية الفلسطينية وفضح كل ما يتصل بالانتهاكات والاعتداءات المستمرة على المسجد الأقصى.
وفي إطار الحرب أيضا على فلسطين قامت سلطات الانقلاب في 18 نوفمبر 2013 باعتقال الدكتور جمال عبد السلام أمين عام نقابة أطباء مصر ومدير لجنة القدس بالاتحاد. واستنكرت الأمانة العامة لاتحاد الأطباء العرب عملية الاعتقال وطريقته لأحد رموز العمل النقابي والإغاثي في مصر والمنطقة العربية. كما اعتقلت سلطات الانقلاب د.صلاح سلطان في سبتمبر 2013 نائب رئيس لجنة القدسوفلسطين في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وأستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، والذي أسس في عهده لجنة القدس بالمجلس والتي ألغاها الانقلاب.
وحول الهدف من الحكم والآثار المترتبة عليه أكد المحلل السياسي أحمد فودة -مدير مركز النخبة للدراسات بالقاهرة- أن قرارات الانقلابيين تعكس الأهداف المحددة التي جاء الانقلاب لتحقيقها؛ وأهمها استمرار مصر في إطار الحظيرة الأمريكية كتابع ذليل، ولحماية الأمن الإسرائيلي مما يتطلب محاولة التخلص من كل ما يؤدي لتهديد أمن إسرائيل. وأضاف ل"الحرية والعدالة"، ولذلك حاولوا التخلص من القوى الإسلامية خاصة لو تمكنت من الوصول للحكم مثل جماعة الإخوان المسلمين على مستوى الداخل، وبالخارج محاولة التخلص من حركة المقاومة الإسلامية حماس، موضحا أن كل قرارات الانقلابيين تقوم على هذا الأساس، فهم يحاربون "حماس" ليس لأنها فلسطينية ولكن لأنها تهدد أمن إسرائيل، بدليل أن حركة فتح لا تحارَب بل يستقبلها الانقلابيون بمصر أما حركتا حماس والجهاد تهدد أمنها فلا بد أن تحارب.
حرب ضد حماس والمقاومة أحمد فودة: الحكم ضمن حملة ممنهجة للتخلص من حماس وحصار حركات المقاومة وكل ما يهدد أمن إسرائيل ونبه "فودة" إلى أنه في إطار هذه الحرب كل شيء مسموح به، بدءا من تدمير الثوابت المصرية باعتبارها حركات مقاومة مشروعة إلى تجريم وجود الحركة تمهيدا لمعاملتها على أنها خصم أو مصدر تهديد هي وحركات المقاومة الفلسطينية في غزة بما يشمل ذلك من تبعات، وما فعله الجيش في 7 أشهر يعطي مؤشرا على أنه لا خطوط حمراء خاصة أمام سقوط الدم المصري، متوقعا تصعيدا محتملا تجاه حماس حين تتهيأ الظروف لذلك للتخديم على المشروع الصهيوأمريكي. وأوضح "فودة" أن هذه الحملة الممنهجة والمخططة على حماس والمقاومة لصالح إسرائيل تتم منذ وقوع الانقلاب وبكافة السبل والطرق لحصار المقاومة الفلسطينية وتدميرها وقمعها وتجفيف كافة مصادر دعمها بالعمق المصري، وهذا يفسر قيام سلطة الانقلاب بإصدار حكم حظر أنشطة حماس وقبله إلغاء لجنة القدس بوزارة الأوقاف واعتقال د.جمال عبد السلام ود.صلاح سلطان المعنيين بملف القدسوفلسطين هي أشياء تكميلية تسير في ركب هذه الحملة، فبالطبع كل من وما يهدد أمن إسرائيل سواء أشخاصا طبيعيين من الأفراد أو أشخاص اعتبارية لمؤسسات سيتم ملاحقتها والقضاء عليها ففي إطار هذه الحرب لا خطوط حمراء للانقلاب، الذي جاء من أجل الأهداف الغربيةوالأمريكية والخليجية والأوروبية فهذه الأطراف لن يختلف معها هل من يحكم ليبرالي أم يساري أم إسلامي مدجنين ولكن المهم ألا يهدد أمن إسرائيل. ولذلك الانقلابيون يعتقلون ويلاحقون المسئولين عن ملف دعم فلسطينوالقدس، وخنق مؤسسات معنية بالقوافل والمساعدات لتدمير كل الكيانات المهددة لإسرائيل.
حكم باطل ومنعدم من جانبه وصف د.السيد مصطفى أبو الخير -الخبير القانوني وأستاذ القانون الدولي- الحكم بأنه من الناحية القانونية يعد حكم منعدم وباطل لأنه صادر من محكمة غير مختصة تبتّ فقط بظاهر الأوراق وليس الموضوع، وليس من اختصاصها نظر منظمة ما للقول بأنها إرهابية أم لا، كما أنه استند على قرار إداري من حكومة الانقلاب في ديسمبر الماضي بإعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية وهذا أيضا ليس من اختصاصها.
د. السيد مصطفى أبو الخير: الحكم ترضية للكيان الصهيوني مقابل دعمه قادة الانقلاب في الخروج من العزلة الدولية وأضاف ل"الحرية والعدالة" لذا يعد الحكم ضد حماس حكما سياسيا هدفه التخديم على قضايا "قصر الاتحادية" والتخابر مع حماس" و"اقتحام السجون" المتهم فيها الرئيس الشرعي د.محمد مرسي وقيادات الإخوان، فالمحكمة في هذه القضايا ستعتمد على حكم اليوم على أنه قرينة للحكم فيها بالقول بأن هناك حكما صادرا باعتبار حماس جماعة إرهابية!
حماس حركة تحرر وطني وكشف "أبو الخير" أن هذا الحكم يخالف كل الدساتير والمواثيق والاتفاقيات الدولية، لأن القانون الدولي يعتبر حركة حماس حركة من حركات المقاومة والنضال المشروعة التي ألزم القانون الدولي وخاصة "الجزء الخاص بواجبات وحقوق الدول الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة" والذي يلزم جميع الدول بمساعدة حركات التحرر الوطني حتى بمدها بالسلاح، خاصة أن اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 والبروتوكولين الملحقين بها لسنة 1977 ألزمت جميع الدول الموقعة على اتفاقيات جنيف ومنها مصر بتقديم العون لحركات التحرر الوطني ومنها حماس ولا يعتبر ذلك تدخلا عسكريا في شئون دولة أخرى، وحماس حركة تحرر وطني وليست إرهابية حتى باعتراف العدو الإسرائيلي نفسه لأنه تبادل معها مفاوضات وأسرى، والمخابرات المصرية نفسها كانت تتناوب مع حماس في مفاوضات وكان رئيس المخابرات يجلس معها ويستضيف قيادات الحركة بالقاهرة، ومن ثم فالحكم بأنها إرهابية يعني محاكمة هؤلاء المسئولين المصريين أيضا.
وأكد "أستاذ القانون الدولي" أن حماس حركة تحرر وطني وليست جماعة إرهابية وذلك وفقا للقانون الدولي الإنساني فلها قائد وشارة بالملبس وتلتزم بقواعد هذا القانون، وهي حركة تحرر وطني أيضا وفقا لما جاء وبناء على مبدأ حق تقرير المصير بالمادة الأولى والمادة 55 من ميثاق الأممالمتحدة كما ورد المبدأ في كافة مواثيق المنظمات الدولية والإقليمية والاتحاد الإفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة الدول الأمريكية، ولذا فالحكم يخالف كل هذه الاتفاقيات والمنظمات، والقانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يعتبر حق المقاومة حقا للإنسان. وتابع: الحكم يخالف أيضا دستور 1971 بالمادة 1951 منه والمادة 145 من دستور 2012 وتنص على أن الاتفاقيات الدولية حال التصديق عليها تعتبر جزءا من القانون الوطني لذا الحكم مخالف حتى لقانون المرافعات والإجراءات الجنائية.
تجريم كل داعمي فلسطين وحول الآثار الناتجة عن الحكم أوضح "أبو الخير" أن هذا الحكم تحريم وتجريم للمقاومة الفلسطينية وتجريم لكل من يشارك فيها ويدعمها سواء أفراد أو مؤسسات وبما أن حماس "جماعة إرهابية" فإن كل من يدافع عن القضية الفلسطينية هو إرهابي، ويساعد الإرهابيين أي أنه يقطع بالحكم أي سند أو دعم للقضية وسيأخذ الشريك عقوبة المتهم وسيطبق صور الاشتراك بالجريمة الاتفاق أو التحريض أو المساعدة على الداعمين أيا كان طبيعة وشكل الدعم، وبالتالي سيتم ملاحقة العلماء والدعاة والناشطين بتهمة دعم حماس ودعم تحرير فلسطين أو الدفاع عنها، وينطبق على اللجان والمؤسسات الداعمة للمقاومة الفلسطينية في مصر، ويعتبر الحكم قادة حماس وأي عضو بحماس إرهابيا وينتمي لجماعة محظورة، وإذا جاء لمصر سيتم القبض عليه أو على الأقل ترحيله.
وبين "أبو الخير" أن الحكم ذكر حظر النشاط والمقار بمصر، ورافع الدعوى يعلم جيدا أنها غير موجودة وأنه ليس لحماس مقرات بمصر ولكنه يقصد تجريم الحركة كحركة مقاومة ووصمها بالإرهابية أي تبني وجهة النظر الأمريكية والصهيونية. وتوقع "أبو الخير" استمرار غلق معبر رفح رغم أنه وفقا للقانون الدولي من يتحكم بالمعبر هو حماس لأن القانون الدولي وضع سلطة التحكم بالمعابر للسلطة الواقعية المسيطرة على الأرض.
وقال "أبو الخير": إن الحكم له أهداف سياسية فهو رسالة للكيان الصهيوني في محاولة من سلطة الانقلاب ترضية سلطات هذا الكيان حتى يدعم قادة الانقلاب في المجتمع الدولي للخروج من العزلة الدولية التي فرضتها الدول والاتحاد الإفريقي والمنظمات الدولية على قادة الانقلاب بعد 3 يوليو حيث لم يعترف به إلا حوالي خمس دول فقط.