على مدار 30 عاما شهدت الصحافة القومية تحولات جذرية من سيئ إلى أسوأ تحت رعاية قيادات تم اختيارها بعناية فائقة تبعا لولائهم للرئيس المخلوع وأعوانه وللأجهزة الأمنية، فاستغلوا حالة غياب الرقابة فى الانشغال بجمع "غلة" تلك المؤسسات التى طالها الفساد والاستيلاء على المال العام من أموال وأراض وغيرها. اللافت للنظر أن تلك القيادات عكفت أولا وأخيرا على مدار عمر النظام البائد على إرضائه وأعوانه، متناسين أن الصحافة القومية فى الأساس هى مملوكة للشعب بموجب القانون، فعكفوا على تدميرها بشكل تدريجى إلى أن آل وضعها إلى ما هى عليه الآن، "الحرية والعدالة" رصدت فى التقرير التالى أبرز مظاهر معاناة المؤسسات الصحفية القومية على مدار السنوات السابقة. كشف جمال عبد الرحيم -وكيل نقابة الصحفيين- أنه على مدار 30 عاما هى عمر عهد النظام البائد كان سبب اختيار قيادات تلك المؤسسات مدى انتمائها للحزب الوطنى المنحل، والعلاقات الوثيقة التى تربطهم بالأجهزة الأمنية، متهما تلك القيادات بتحويل الصحافة القومية لنشرات خاصة للحزب الوطنى على حساب الجوانب المهنية. وأشار عبد الرحيم إلى ازدياد مديونيات هذه المؤسسات على 8 مليارات جنيه، موضحا أن النظام البائد ضرب عرض الحائط بالتقارير الرقابية وتقارير الجهاز المركزى للمحاسبات التى أكدت وجود فساد فى تلك المؤسسات وأن القيادات استولت على مليارات من مواردها. واتهم مجلس الشورى السابق بالاعتماد على قيادات ضعيفة ذات علاقة بالأمن والحزب الوطنى المنحل دون الالتفات للمعايير المهنية والأخلاقية، موضحا أنه لم يتعامل مع المؤسسات الصحفية ولم يتدخل لحل المشكلات المالية المتعلقة بها وتركها دون علاج. وأوضح أن ديون مؤسسة "دار المعارف" بلغت 1.4 مليار جنيه، بسبب قرض حصلت عليه فى بداية الثمانينيات قيمته 7 ملايين جنيه، ولو كان مجلس الشورى ساهم حينها فى جدولة هذا القرض ما وصلت الديون لهذا الحد. وأكد أن رؤساء مجالس الإدارات تسابقوا لإصدار تراخيص لصحف ومجلات بهدف مجاملة أشخاص بعينهم؛ لافتا إلى أن مؤسسة "الأهرام" وحدها لها 21 إصدارا و"دار التحرير" 11 إصدارا، وأخبار اليوم 7، وغالبيتها إصدارات فاشلة نسبة المرتجع منها تزيد على 80%، وأقل إصدار فيها يحقق خسائر 5 ملايين جنيه سنويا. وأضاف أن هناك أزمة حقيقية نتجت عن هذا الكم من الإصدارات وهى تعيين أعداد كبيرة من الصحفيين مثل الأهرام التى بها 1600 صحفى، ودار التحرير 1000 صحفى، بينما الواقع يؤكد أن حجم الصحفيين العاملين لا يزيد على 100 فى الأهرام و50 فى دار التحرير، ما يمكن وصفه بأن تلك المؤسسات أصبحت نموذج للبطالة المقنعة. ولفت وكيل نقابة الصحفيين، إلى أن الفساد انقسم فى تلك المؤسسات إلى الاستيلاء على مبالغ كبيرة وأراضٍ وعقارات وسيارات، فأحد رؤساء مجالس الإدارات كانت تصحبه وحده 15 سيارة لخدمته وزوجته وأولاده وأقاربه؛ حيث لجأ غالبية رؤساء مجالس الإدارات لإنفاق مبالغ مالية كبيرة مقابل الاستمرار فى مناصبهم. وكشف أن مؤسسة "الأهرام" وحدها اشترت هدايا لكبار المسئولين على شكل ساعات يد فى عام 2004 بقيمة 110 ملايين جنيه. وأضاف أن "صفوت الشريف حصل على سيارتين إحداهما مرسيدس والأخرى BMWمن رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم عهدى فضلى للإبقاء عليه فى منصبه". وأشار إلى أن مجلس الشورى تحت قيادة صفوت الشريف ضرب عرض الحائط بقانون سلطة الصحافة؛ حيث أبقى على بعض رؤساء مجالس الإدارات لمدد تزيد على 5 و6 سنوات بعد بلوغهم السن القانونية للمعاش المحدد له ب65 عاما ما يؤكد أن كافة القرارات الصادرة عنهم فى تلك الفترة تعد باطلة وغير معمول بها. أما قطب العربى -مدير تحرير بجريدة الوطن- فحدد مشكلات الصحافة القومية فى ظل عهد النظام البائد فى تبعيتها للنظام بداية من تعيين قياداتها والترقيات وغيرها وحتى مراقبة سياسات التحرير، مؤكدا أن تلك القيادات كلفت الدولة والمؤسسات الصحفية خسائر بالمليارات. وأشار العربى إلى أن الفرق بين حصيلة الإعلانات وتكلفة الطبع والتجهيز كانت تعكس مدى نسب خسائر إصدارات تلك المؤسسات، بالإضافة إلى الأعداد الهائلة من العاملين وتكدس الصحفيين بها، ما يكلف الدولة تأمينات ومصروفات تعيين وغيرها. وألمح إلى أن هناك من جمع بين منصبى رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير، خاصة فى ظل استمرار عطاياه وهداياه للتقرب للنظام والأجهزة الأمنية، فى ظل غياب لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات واختفاء للتقارير الصادرة عنه حتى إن نقيب الصحفيين طلب تقارير السنوات السابقة ولم يتمكن من الحصول عليها. واتهم العربى قيادات تلك المؤسسات طيلة عهد النظام البائد بعدم العمل على تطوير أدائها لتواكب كل ما هو عالمى، ما جعل الأوساط الصحفية العربية تصفها بأنها "صحافة شائخة".