ازداد الانقلاب بطشا وجنونا، وبدأ العسكر في إطلاق النار على أهاليهم، رغم أن قائد الانقلاب الدموي، صرح في وقت سابق وأثناء الترتيب لمؤامرته "أن الجيش نار، هو نار مش على أهله". ومع استخدامه الكثير ممن يطلق عليهم نشطاء سياسيون لحبك الصورة السينمائية لانقلابه، فإنه سرعان ما بدأ في أكلهم تيارا تلو الآخر، حركة تلو الحركة ناشطا تلو الناشط. وتحت بطش "البيادة" وقسوة الإعلام التابع لها على كل من شارك في 30 يونيو، أخذ الحديث يتصاعد عن مصطلحات وأفكار مثل العودة إلى التوحد والاصطفاف الثوري وتوحيد المطالب ومواجهة الثورة المضادة التي شاركوا فيها وصنعوها وهم على تمام العلم بنتائجها، وبدأ البعض في التبجح بأن الإخوان وهم الفصيل الأكبر في الحراك الشعبي، حيث لا يرونه حراكا ثوريا، عليهم أن يتنازلوا عن فكرة عودة الرئيس محمد مرسي واعتبارها شيئا من الماضي، تجاوزه الزمن!. وفي المشهد المصري المتسم بالغرائب والعجائب، أصبحت الصور مقلوبة، كما انقلبت قبلها الأفكار ومؤخرا الضمائر. وتصاعدت التصريحات من بعض ممن يسمون "النشطاء" بضرورة انصياع جماعة الإخوان المسلمين والتحالف الوطني لدعم الشرعية، الذي يمثل سياسيا الحركات والأحزاب المناهضة للانقلاب العسكري، بالتخلي عن أهدافه التي انتزعت من الشعب بقوة السلاح وبأوامر خارجية. وأمام حالة القمع التي بدأت تطول الكثير من داعمي الانقلاب الدموي مؤخرا، يجب التوقف للبحث في كيفية استغلالها، وتوصيفها جيدا، فالحراك الثوري بالضرورة يحتاج أفق سياسي وتحرك إعلامي يدفع قطاعات من الجمهور المؤيد دائما لصاحب القوة، أن يتزحزح من موقعه لإحداث شق في صفوف "المغيبين" فعليا بوسائل دعاية "نازية" اقتربت من تأكيد أن الشمس تشرق من الغرب. وعند البحث في خريطة القوي السياسية والفاعلة الحقيقية على الأرض لا يظهر منها سوى الإخوان المسلمين سواء في الطرف المناهض للانقلاب العسكري، أو المؤيد له، وهو ما جعل المواجهة الحقيقية في مصر، بين طرفين أساسيين لا ثالث لهما وهما جماعة الإخوان والقوات المسلحة لا من منطلق أن جماعة سياسية سلمية تواجه جيشا، وإنما من منطلق أساسي يتمثل في أن جيشا يخضع إداريا وسياسيا لأوامر غربية وممول بجزء كبير منها، هدفه الأساسي ليس مقاومة الغزاة وحماية حدود الدولة وإنما تقويض أي فرصة لنهوض شعبي وإيجاد حكم ديموقراطي حقيقي قد يسمح بتغيير عقيدة الجيش من مكافحة الإرهاب إلى الاستعداد لتجاوز حدود الدولة لتعقب الأعداء. وبالنسبة للولايات المتحدة وحليفتها في الشرق الأوسط، إسرائيل بالإضافة إلى الأنظمة الملكية في الخليج العربي ومعهم إيران الراغبة في التمدد الطائفي، فإن وجود تنظيم عالمي وعقائدي مثل الإخوان المسلمين، على رأس السلطة في دولة بحجم مصر، سيعتبر تهديدا حقيقيا لهم جميعا وتغييرا لوجه الشرق الأوسط كاملا وربما العالم وسيكون مركزا لدولة ستغير الخريطة الجيوسياسية في المنطقة، ما أدي إلى جعل الإطاحة بحكم الإخوان هدفا أساسيا لن تتخلى عنه القوى الخارجية بسهولة وهو ما يظهر في تجاهلها الواضح والمتعمد لكل ما يحدث في مصر. رغم الصمود الأسطوري للشعب الثائر منذ أكثر من ستة شهور. وفيما يثور الشعب على الأرض ويتلقي أبنائه الأبرار الرصاص في صدورهم، ويشيعون يوميا إلى مقابرهم، وفيما يعتقل المئات ويبيتون في البرد والعراء بعيدا عن أي رقابة تضمن لهم حقوقا، يتحدث عدد من عديمي التأثير والتأثر بالواقع عن ضرورة انصياع الشعب لآرائهم وأن ينضموا لتنفيذ رغباتهم هم وحدهم. وكأن استفاقتهم من جريمة شاركوا فيها لا توجب التوبة، بل عليهم أن يعودوا ليتصدروا مشهدا لا قيمة لهم فيه لا سابقا ولا حاليا. في ثورة 25 يناير لم يكن لأحد دور فيها سوي الشعب الذي استلهم وتلقى الفكرة على الفور من الشعب التونسي، ليتحرك في عيد الشرطة، ليطالب بالتغيير، وفي ميدان التحرير كان الجميع سيد قراره، لا تأثير لشخص أو فئة أو تيار على أحد، ولا يجرؤ كائن من كان أن يدعي أن الثورة من صنيعته أو من فعلته. لذلك فإن مصطلحات مثل شباب الثورة، ائتلاف الثورة، نشطاء الثورة، رموز ثورة يناير، باتت مصطلحات سيئة السمعة، لا قيمة لها ولا لمن تطلق عليه، فثورة يناير بلا رموز، ولا محركين، وكون عدد محدود من الشباب كان له القدرة على التواصل مع إعلام فاسد،و في ظروف خاصة قد تتعلق بعلاقات شخصية أو رغبة من الاعلام في إظهار أحدهم وإظهاره للأضواء دون غيره، فإن ذلك لا يمثل مزية له ولا يعطيه الرخصة بأن يتحدث باسم الثورة الوحيدة وهي ثورة يناير، ولا أن ينعت نفسه أو ينعته غيره بأوصاف مهينة للشعب بأسره مثل رموز ثورة يناير. كان هذا قبل الانقلاب الدموي. فما بالنا بعد أن شارك عدد من هؤلاء في الانقلاب على إرادة الشعب والمشاركة في قتله وحرقه وتأييد القائهم في القمامة بالجرافات؟!. من العيب ومن المثير للاشمئزاز أن يتحدث قتلة شاركوا في أبشع جريمة تشهدها مصر في العصر الحديث عن الثورة، أو يوصفون بأنهم نشطاء الثورة. فعن أي ثورة يتحدثون وعن أي قيم يناضلون وهم خانوا الشعب وثورته وانقلبوا عليها، وسكتوا على حرق المئات ولم ينطق أي منهم بكلمة، خوفا من بطش حليفه العسكري، الذي بدا أنه بالفعل يأكل أبنائه، فلم يعد يتحدث منهم إلا من يسبح بحمده ويقدس إرهابه. الكثير ممن أطلق عليهم الاعلام الفاسد نشطاء، لم يتحركوا ولم يعترضوا على شيئ إلا بعد أن طالتهم النار وحروقها، رغم أنهم يتلقون اهتماما خارجيا وإعلاميا نوعا ما في الداخل، باعتبار انهم من شعب 30 يونيو. بينما سكتوا على مجازر ومحارق لم تحرك إنسانية ما قد تكون بقيت بداخلهم. وبعد أن بدأت دولة الانقلاب في بث فضائحهم على الهواء مباشرة، واعتقال وسجن بعضهم وفض مظاهرات عشرية نظموها في لحظة مداهنة مع سلطتهم، راحوا يتحدثون عن " رموز ثورة يناير ". وهل رموز ثورة يناير قتلة ومؤيدون للقمع والإرهاب؟!. هل قامت يناير لاستئصال الأغلبية وحرق جثثها لمجرد أنها متدينة؟!. هل قامت يناير التي كانت جماعة الإخوان المسلمين القوة الحقيقة فيها والمحرك الأساسي للمدن والأقاليم في وقت كانت المظاهرات المحدودة تنظم في القاهرة فقط ضد هذه الجماعة؟!. هل قامت ثورة يناير لمحاكمة الرئيس محمد مرسي بتهمة الهروب من سجن كان مختطفا فيه بسبب دوره في الثورة؟ ! هل قامت يناير لمحاكمته بتهمة تشرف أي مسلم وليس مصري فقط ولا توجد إلا في إسرائيل وهي التخابر مع حماس؟! وهل قامت الثورة للإطاحة بإرادة الشعب الحرة خمس مرات ودهس أصواته تحت الأقدام؟! هل قامت الثورة لإغلاق الصحف والفضائيات، وقمع الأصوات وتكميمها؟! وهل قامت لاعتقال الفتيات وضربهم وسجنهم؟!. ثورة 25 يناير كان المحفز الأساسي لها وأحد أيقوناتها الشاب السكندري خالد سعيد الذي قتلته الشرطة الاجرامية والشاب سيد بلال الذي قتل ظلما وبغيا لمحاولة تلفيق قضية تفجير كنيسة القديسين إليه. ثورة يناير قامت من أجل الحرية والكرامة والاختيار الحر، لم تقم لأجل الفسدة ولا أمريكا ولا إسرائيل، ولم تقم لأجل استئصال الأغلبية وقمعها بطريقة إجرامية. في الحقيقة كل من شارك في 30 يونيو مجرم، فلا يمكن أبدا وصف الدعوة لهذا اليوم بأنه موجة ثورية، وإنما أكبر عملية نصب وتزييف في التاريخ المصري الحديث. وكل من أيد الاطاحة بالرئيس الشرعي مجرم وقاتل وسفاح، يداه ملطخة بالدماء. فلا يجوز أن يتحدث أحد من هؤلاء عن الثورة أو قيمها. إذا كان الظلم والبطش طالهم بعد تأييده ضد خصومهم فإن عليهم اللحاق بركب الشعب الثائر في الحواري والأزقة والميادين، والاعتذار عن جرمهم. لا التنظير ولا الاستخفاف بآلام الناس وأرواحها ومحاولة الركوب على ثورتهم من جديد، فلا هم ضحوا ولا هم قدموا للوطن، هم فقط استفادوا، حتى ولو عاقبهم شركاؤهم مؤخرا، وفضحوهم. الشعب الثائر في الميادين لم ينتفض إلا لحرية الجميع وكرامتهم، لا من أجل فئة أو فئة أخرى كما فعل من يطلقون على أنفسهم نشطاء، الشعب في الميادين يسقط ما تبقي من دولة الظلم والإرهاب، الشعب في الميادين خرج ليطالب بإرادته الحرة وأصواته المتمثلة في الرئيس محمد مرسي ودستور 2012 ومجلس الشورى. من أراد الانضمام إلى الشعب عليه أن يعتذر، فالثوار الحقيقيون من شيمهم التسامح، حتى مع القتلة إن تابوا، وأن ينضموا إلى الجماهير بشروطهم.