ربما يكون الخوف من ردة فعله، أو كشفه حقائق جديدة، أو ثباته الكبير الذى ظهر خلال الجلسة الأولى هى الأسباب الحقيقية لتغييب الرئيس الشرعى الدكتور محمد مرسى من حضور الجلسة الثانية لمحاكمته الهزلية التى عقدت اليوم . فى حين جاء سوء الأحوال الجوية كبش فداء غير مقنع لأحد فى غياب أول رئيس ينتخبه المصريون . حيث لم يظهر سوء الأحوال الجوية سوى فى اللحظة التى كان من المفترض أن يتم خلالها نقل الرئيس . فالبحر هادئ فى الإسكندرية ، والشمس مشرقة ربما بشكل لا يحدث كثيرا فى تلك المحافظة الساحلية خلال هذه الفترة من السنة . ولا يدرى أحد فى مصر كيف تمكنت الأحوال الجوية من إعاقة وصول الرئيس من الإسكندرية إلى القاهرة ؛ فى حين لم تعق سير رحلات برج العرب – القاهرة بشكل طبيعى دون إلغاء أية رحلة . حجة سخيفة تثبت – رغم أن ذلك لا تحتاج إلى إثبات جديد – أن الانقلابيين يعاملون المصريين باعتبار أن عقولهم فى إجازة ، وأن أى حجة سوف تنطوى عليهم دون عناء . ورغم اقتناع البعض بأن الرئيس لم يأت إلى المحاكمة – لأسباب يختلف فيها - إلا أن البعض الآخر يرى أن الرئيس وصل بالفعل إلى مقر المحكمة فى طائرة شاهدها رواد الجلسة تهبط فى السابعة والنصف . ورغم أن هيئة المحكمة كان من المفترض أن تكون الفيصل فى هذا الاختلاف إلا إنها لم تكن كذلك ، لأنها – ببساطة - لا تعرف مكانه ، أو أسباب عدم حضوره للجلسة . التكهنات لم تتوقف ، والمخاوف لن تنته على حياة الرئيس منذ تلك اللحظة التى اتهم فيها ناصر العبد مدير أمن الإسكندرية الأحوال الجوية بأنها أعاقت حضور الرئيس ، حتى الآن ، مما سرب الشكوك إلى مؤيدى الرئيس ، وتأكدت لدى الباقين الذين رأوا فى قرار منع الزيارة عن الرئيس – منذ فترة - مقدمة لإيقاع أذى به ، ربما لإسقاط الرمز الذى يلتف حوله المصريون سواء من كان مؤيدا للرئيس من1 البداية ، أو الذين تحولوا إلى تأييده حين سقطت الأقنعة عن الانقلابيين ، وظهرت صورهم الحقيقية دون تجميل . من جانبها أدانت جماعة الإخوان المسلمون ، والتحالف الوطنى لدعم الشرعية ورفض الانقلاب ، وحركة محامون بلا قيود ، وجبهة استقلال القضاء المهزلة التى حدثت اليوم ، مطالبين بالكشف الفورى عن مكان احتجاز الرئيس ، كما حملوا المسئولية للانقلابيين عن أى أذى يلحق بالدكتور محمد مرسى الذى يبدو أنه سيواصل ضرب نماذج غير مسبوقة فى تحدى الظلم ، والوطنية ، والدفاع عن الشرعية حتى لو كان على حساب حريته وحياته . وهو ما يأتى تصديقا لتصريحاته قبيل حدوث الانقلاب الدموى الذى أطاح بالشرعية والمؤسسات المنتخبة وإرادة المصريين . ولم يكن غياب الرئيس هو الانتهاك الوحيد ، حيث تم منع المحامين من الحضور ، ومنهم نجل الرئيس ، إضافة إلى أسر المعتقلين الذين كانوا يستثمرون الفرصة فى رؤية ذويهم حتى لو من وراء القضبان . بعيدا عن قاعة المحكمة تحولت القاهرة إلى ثكنة عسكرية منذ تباشير الصباح ؛ خوفا من الحشود التى هدد التحالف الوطنى بأنها ستكون فى الشوارع فى مظاهرات حاشدة تأييدا للرئيس ورفضا للانقلاب . وهى الحشود التى لم تخيب التوقعات ؛ فكانت كبيرة فى كل المحافظات ، وهو ما تعاملت معه مليشيات الانقلاب بمنتهى العنف ؛ حيث استيقظ المصريون على روائح الغاز المسيل للدموع ، والخرطوش ، والرصاص الحى ، والمطاردات فى الشوارع لأنصار الشرعية . ولم تكن تلك التصرفات الأمنية المعتادة هى الظاهرة ؛ بل كانت ظاهرة اليوم هى الصمود الذى أبداه المتظاهرون ، الذين لم يتوقف الاعتداء عليهم طوال النهار ؛ ورغم ذلك استمرت مظاهراتهم فى المحافظات – ومنها أسيوط والدقهلية والإسكندرية والجيزة وبنى سويف ، إضافة إلى دلجا بالمنيا التى كان لها نصيب كبير من اعتداءات ميليشيات الانقلاب – وفى القاهرة أمام مسجد السلام وفى منطقة السبع عمارات بمصر الجديدة . ويبدو أن جلسة اليوم ستعطى زخما للغضب الشعبى المتزايد ضد الانقلاب العسكرى الذى تم فى يونيو سواء من جانب الذين يواصلون التظاهر منذ يونيو وحتى الآن ، أو الذين بدأوا يدخلون مرحلة " الاستفاقة " ، عقب الخديعة التى تعرضوا لها ومارسوها ضد الشعب المصرى بأن ما حدث فى يوليو ثورة وليس انقلابا على الحريات والقانون و... ثورة يناير .. وربما كانت رسالة أحمد ماهر مؤسس حركة إبريل مثالا واضحا على ذلك . ومع انتهاء الجلسة الثانية نستطيع القول إن الرئيس يواصل إخافة الانقلابيين سواء حضر الجلسة أم لم يحضرها ، حيث كان ثباته الكبير فى الجلسة الأولى تأكيدا على شموخه وعدم اهتزازه رغم الضغوط التى تعرض لها ، فيما أضاف اليوم دليلا جديدا على أنه أقوى من معتقليه ، وأكثر حرية من سجانيه ، وأشد عزما من المنقلبين عليه .