الوصية العاشرة الانتظار والترقب مع استمرار بذل الجهد المادى والمعنوى على النحو الذى ذُكر وغيره علينا أن ننتظر ونترقب نزول فضل الله ونصره: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِى اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة: 24]. إن انتظار الفرج عبادة من العبادات القلبية..يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يسأل، وأفضل العبادة: انتظار الفرج" [رواه الترمذي]. ولكن علينا أن ننتظر الفرج فى المكان الصحيح: {وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ . وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ . وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود: 121 - 123]. إننا جميعا نترقب حكم الله فيما حدث: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الإنسان: 24] ننتظر رحمة من عنده يكشف بها كربنا، ويشف صدورنا، ويرفع رايتنا: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شىء قَدِيرٌ . أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِى وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 106، 107]. ونحن فى هذا الانتظار علينا ألا ننسى أن الرصاصة فى صدر الشهيد ستكون فى ميزانه هو لا ميزاننا نحن، وأن ساعات الألم التى تمر بالمعتقلين فى ميزانهم هم كذلك، وأن صور المسيرات الحاشدة فى ميزان من نزل وغبر قدماه فى سبيل الله لا من تابع أخبارها جالساً فى بيته، إن الحقيقة التى لا مرية فيها أنك ستلقى الله وحدك: {وكلهم آتيه يوم القيامة فردا} [مريم: 95]، وستلقاه بعملك أنت: {ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} [الزلزلة: 7]؛ فماذا أعددت لهذا اليوم من عمل؟ والواقع أن الحافز للعمل الآن كأقوى ما يكون، ففضلاً عما تمر به الأمة من أحداث جسام لم تمر بمثلها منذ عقود طوال، فاستشعار دنو الأجل فى مناسبات متقاربة للغاية والاستعداد بكتابة الوصية ونحوه يمثل حافزاً يدفعنا لمواجهة أنفسنا ومحاسبتها، ويجعلنا نشعر بالأسف لكل فرصة أضعناها، فها سأموت دون أن أصل رحمى، ودون أن أنفق فى سبيل الله، ودون أن أرد الأمانات لأصحابها...إلى آخر تلك الطاعات التى كنا سنلقى الله دون أن ندركها ثم نعود كل مرة معافين بفضل الله وقد منحنا فرصة جديدة، فماذا صنعنا بتلك الفرص؟ ولِمَ لم نستفد منها حق الاستفادة؟ وعلينا ألا ننسى أننا أولا وآخرا: عبيد لله قد خلقنا وهو غنى عنا، ونحن الفقراء إليه، خلقنا لنعبده: نسجد له، ونسبح بحمده، ونقوم له قانتين. هذه وظيفتنا التى خلقنا لنقوم بها، فلا ينبغى أن يشغلنا عنها شاغل، أو ينسينا عنها حدث مهما كان عظيما، فإن الله عز وجل لم يعذر أحدا عن الصلاة: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ . فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 238، 239]. ولما كان البلاء يشتد على النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه كان الله عز وجل يثبتهم، ويذكرهم بالوعد الحق منه سبحانه بالنصر والتمكين، ويأمرهم بالصبر، ولكن الأهم من كل ذلك هو تذكيرهم بوظيفتهم الأساسية التى خلقوا لها وهى التسبيح والحمد والثناء والتعظيم لله سبحانه وتعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِى وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55] ولقد تكرر مثل هذا أربع مرات فى كتاب الله. فهذا هو المقصود الأعظم من إقامة الدين، ومن التمكين للمشروع الإسلامى الذى نسأل الله عز وجل أن يستخدمنا فيه، ومن الدعوة إلى الله، فأى عذر لنا إن هدمنا الأصل ورحنا نبحث عن الأسباب والطرق والوسائل؟! وأخيرا فنحن عبيد من عباد الله نعيش فى ملكه، ونطمع فى رحمته، وهو سبحانه يعلم ما لا نعلمه، وما علينا إلا الرضا بقضائه والاستسلام لحكمه، ومواصلة السعى بعونه فى القيام بما كلفنا به: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13]. والحمد لله الذى هدانا لهذا، وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله. وصلِّ اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.