لا تحسبوا الخيانة شيئا جديدا، فالتاريخ ملىء بقصص أصحاب النفوس الدنيئة الذين باعوا بلادهم وأهليهم بثمن بخس للأعداء، وقلبوا لمن أحسنوا إليهم وائتمنوهم ظهر المجن؛ ظنا منهم أنهم سيتمتعون بالسلطة أو الثروة أو السعادة، ولكن الحقيقة أنهم جلبوا لأنفسهم –بخيانتهم– العار؛ فعاشوا تعساء وماتوا أشقياء. ومن أشهر هؤلاء الخونة المارشال الفرنسى فيليب بيتان الذى استطاع أن يدفع الهجوم الألماني فى معركة فردان بالحرب العالمية الأولى، ثم عين قائدًا للجيش الفرنسى كله واستطاع كسب احترام الجنود وامتنانهم لأنه حقن دمائهم، وعمل جاهدًا على تحسين أوضاعهم البائسة. ولكن هذا القائد الفرنسى –صاحب البطولات الحقيقية وليس كغيره من الخونة الذين كل بطولاتهم جذب النساء– وقع فى الخطيئة بقبوله التعاون من الألمان المحتلين لبلده بعد هزيمة فرنسا سنة 1940، حيث تقلد منصب رئيس الدولة فى فيشى، وأوقف دستور يوليو الفرنسى، وصار مجرد رئيس شكلى للدولة. واستحق النهاية الأليمة؛ فعقب الحرب العالمية الثانية حكم عليه بالموت بتهمة الخيانة العظمى العام 1945م، ولكن شارل ديجول استبدل الحكم إلى السجن مدى الحياة، ليظل محتجزا حتى فارق الحياة سنة 1951م. وإذا انتقلنا إلى النرويج فى تلك الحقبة ذاتها سنعثر على خائن آخر هو "فيدكن كيسلينج" الذى كان يقدس هتلر ويؤمن بتعاليم الفاشية لذلك قام بلقائه بعد أن كان متأكدا أن بحوزته كل المعلومات التى جمعها عن الخطط العسكرية النرويجية وهذا ما جعل هتلر يضمن احتلال النرويج عندما غزاها الألمان. وتم تعيين فيدكن رئيسًا للوزراء ولكن المواطنين النرويجيين كانوا يشعرون بالازدراء تجاه تسلمه لهذا المنصب الحساس، وسرعان ما تمردوا عليه حيث أجبر على التنحى من منصبه، ثم أعاده هتلر إلى منصبه فى تشرين الثانى من ذلك العام، وبعد أن تنازل الألمان عن النرويج حوكم فيدكن وتمت إدانته بعدة جرائم حرب وأعدم فى سنة 1945م. بعد الانتصارات التى حققها يوليوس قيصر فى خارج روما ونجاحه فى إخماد الحرب الأهلية هناك وتمام سيطرته على الفتن، قرر العودة إلى روما، وقد علم الأشراف بذلك فرأوا الفناء يحل بهم عند عودة قيصر، على الرغم من أنه قد عاملهم معاملة كريمة، وعفا عن كل من استسلم له من أعدائه، وصبر على كثير من الأذى والمثالب دون أن يشكو أو يتذمر، ولم يتخذ شيئًا من الإجراءات ضد من كان يظن أنهم يأتمرون به ليقتلوه. لكن الطمع والجشع، وحب السلطة والثروة قاد المقربون منه للتخطيط واغتياله، وحتى لا يتهم شخص واحد بقتله اُتفق على أن لكل واحد من قاتليه طعنة يجب أن يطعنه إياها فيتفرق دمه، وكان آخر من طعنه أحب أصدقائه إليه ومحل ثقته، والشخص الأقرب إلى قلبه "بروتس" حتى قيل إنه كان ابن له لكثرة ما أغدق عليه، ومنحه من الأوسمة والمناصب. نظر حينها "يوليوس قيصر" فى عينى صديقه وقال له: "حتى أنت يا بروتس"، أما نهاية بروتس فقد كانت الانتحار بعد هزيمة جيوشه فى موقعة فيليبى. أما أشهر الخونة العرب فهو الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمى الذى اشتغل فى صباه بالأدب، وارتقى إلى رتبة الوزارة فوليها أربعة عشر عامًا، ووثق به "المستعصم" فألقى اٍليه زمام أموره، وكان حازمًا خبيرًا بسياسة الملك، كاتبًا فصيح الإنشاء، لكنه رتب مع هولاكو بمعاونة نصير الدين الطوسى قتل الخليفة واحتلال بغداد، على أمل أن يسلمه هولاكو إمارة المدينة، لكنه الخائن أهين على أيدى التتار، بعد دخولهم، وقد شوهد يركب حمارًا فنظرت له امرأة وقالت له: إيهٍ يا ابن العلقمى، أهكذا كان بنو العباس يعاملونك؟، فلم يلبث أن خرج بعدها من داره ليومين والسبب أنه مات مهمومًا مغمومًا. ومن أشهر الخونة العرب أيضا: أبو رغال، حيث كان للعرب شعيرة تتمثل فى رجم قبر أبو رغال بعد الحج كل عام، وذلك قبل الإسلام فى موسم الحج فى الفترة بين غزو أبرهة الأشرم حاكم اليمن من قبل النجاشى ملك الحبشة عام الفيل 571 م وحتى ظهور الإسلام. وأبو رغال هو الدليل العربى لجيش أبرهة حيث كان الأحباش لا يعرفون مكان الكعبة وكلما جاءوا بدليل من العرب ليدلهم على طريق الكعبة يرفض مهما عرضوا عليه من مال، ولم يقبل هذا العمل سوى أبو رغال فكان جزاؤه من جنس عمله أن خلده التاريخ فى مزبلته، ونعت كل خائن للعرب بعده لمصلحته الخاصة بأبى رغال، ويشار إلى أبى رغال فى كتب التاريخ العربى باحتقار وازدراء لأنه لم يعرف عن العرب فى ذلك الحين من يخون قومه مقابل أجر معلوم. وأصل الموضوع أن أبرهة الحبشى بعد أن انتهى من بناء "القليس" أراد أن يحول قبلة العرب من الكعبة فى مكةالمكرمة إلى القليس فى صنعاء ليحجوا إليه، فجهز جيشًا جرارًا فيه فيلة كبيرة ليغزو مكةالمكرمة ويهدم الكعبة، ولكنه وجنوده لا يعرفون الطريق إلى مكة فهم أحباش، فكانت الحاجة لدليل ولم يرض بهذا العمل من بين عرب اليمن سوى أبى رغال، فكان هو دليل أبرهة الحبشى إلى مكةالمكرمة، فأرسل الله على جيش أبرهة الأشرم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول وهلك الجيش ومعهم أبورغال وبقى بيت الله تعالى. يا كل أحرار مصر الوطنيين الرافضين للاحتلال وعملائه الخونة.. اطمئنوا ؛ فعما قريب –قريب جدا جدا- سنشهد اندحار الانقلابيين ومحاكمتهم على جرائمهم فى حق المصريين الشرفاء، وصبرا؛ فإن النصر صبر ساعة.