مهما كان مارشيلو بيلسا المدير الفنى للأرجنتين لبقا ودقيقا فى اختيار عباراته ، فهو لن يجد كلاما يستيطع أن يواسى به الشعب الأرجنتينى بعد انهارت "مجموعة الموت" على رأس منتخب راقصى التانجو وخرجوا مبكرا من بطولة كانوا هم أبرز المرشحين للفوز بها. الأرجنتين دخلت مونديال كوريا الجنوبية واليابان مرشحة للفوز مع فرنسا حامل اللقب ، فأبى المنتخبان إلا أن يضربا بجميع الترشيحات عرض الحائط بعد أن خرجا معا من الدور الأول ، وإن كانت محنة فرنسا هى فى عدم تسجيل أى هدف فى المباريات الثلاث ، وغياب نجمها زين الدين زيدان عن أول مباراتين للإصابة ، فإن "خيبة" الأرجنتين ليس لها ما يبررها. فالفريق "المدجج بالنجوم" لعب دون أن ينقصه أى عنصر من عناصره. كلهم كانوا هناك بداية من بابلو أيمار الذى تصفه الصحافة الأوروبية بأنه خليفة مارادونا المنتنظر ، ويصفه مشجعو فريق فالنسيا الأسبانى الذى يلعب له بأنه "الرب" ، مرورا بدييجو سيميونى ، وزانيتى ، وأريل أورتيجا ، وكلاوديو لوبيز ، وانتهاء "بثلاثى الرعب" خوان سابستيان فيرون وهيرنان كريسبو وجابرييل باتيستوتا. غير أنهم جميعا كانوا حاضرين بأجسادهم ، غائبين بعقولهم. فالفريق سيطر على مجريات المباريات الثلاث التى لعبها فى المجموعة باستثناء بعض الفترات فى لقاء المنتخب الإنجليزى ، بيد أن لاعبيه لم يستطيعوا استغلال الفرص العديدة التى لاحت لهم أمام المرمى ، فاكتفوا بهدف يتيم فى شباك المنتخب النيجيرى ، وفشلوا فى فض عذرية شباك الحارس الإنجليزى ديفيد سيمان قبل أن يسجلوا هدفا "بطلوع الروح" فى شباك السويد وفى الدقيقة الأخيرة! ولا يمكن إلقاء اللوم على دفاع الفريق الأرجنتينى بعد الخروج. صحيح أن دفاع الفريق ليس على مستوى بقية خطوطه لنقص الخبرة الدولية لدى بعض أفراده ، وهبوط مستوى البعض الآخر ، إلا أن أزمة الفريق لم تكن فى الدفاع بقدر ما كانت فى خطى الوسط والهجوم الذين عجزا عن ترجمة السيطرة المطلقة فى المباريات إلى أهداف. بيلسا وصف ما حدث أمام السويد بأنه أسوأ يوم فى حياته ، وأكد أنه حزين من أجل "هؤلاء اللاعبين الرائعين الذين لم يكونوا يستحقون الخروج". غير أنه لم يوجه أى كلمة للشعب الأرجنتينى ، وهو بالتأكيد لا يعرف ماذا يقول خاصة بعد الزوبعة التى أثارها قبل البطولة حول خلافاته المالية مع الاتحاد الأرجنتينى لكرة القدم الذى اضطر أن يدفع له راتبه الشهرى بالعملة المحلية "البيزو" نتيجة لانهيار اقتصاد البلاد ، فوجد بيلسا نفسه يتقاضى ثلث المرتب الذى اتفق مع الاتحاد عليه (70 ألف دولار شهريا) فهدد بترك المنتخب قبل أسابيع قليلة من انطلاق البطولة ، ولعله الآن يعض أصابعه من الندم لأنه لم يفعل ، فالشعب الأرجنتينى لن ينسى هذا الخروج الحزين بسهولة!
باتيستوتا كان أكثر اللاعبين حزنا على الخروج ، وترك الملعب الذى أقيمت عليه المباراة والدموع تبلل وجهه ، فالمهاجم الأرجنتينى الكبير (33 عاما) كان يأمل فى الحصول على البطولة ، فأغلب الظن أنه لن يكون متواجدا فى صفوف المنتخب عندما تحل البطولة القادمة المقررإقامتها فى ألمانيا عام 2006. باتيستوتا ، المعروف بين جماهير الكرة ب (باتيجول) ، قال فى المؤتمر الصحفى إن الألم مضاعف للخروج ، وأضاف: "كنا نأمل فى إدخل السعادة فى قلوب الشعب الأرجنتينى ولكننا فشلنا فى رد الدين وهذا أمر مؤلم للغاية". وتابع: " كنا قريبين من تحقيق التأهل ولكننا عجزنا عن رد الجميل اليهم، وهذا الامر يشعرنا بالاسى". الشعب الأرجنتينى كان يأمل فى انتصار كروى يرسم البسمة على وجهه وسط معاناته اليومية جراء الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى تعانى منها البلاد والتى رفعت نسبة البطالة إلى 22% وأدت إلى انهيار البيزو أمام الدولار ، لكن "مليونيرات" منتخب التانجو أضافوا هما جديدا إلى همومه. تقارير وكالات الأنباء حملت خيبة أمل الشارع الأجنتينى بعد اللقاء مباشرة ، فذكرت وكالة الأنباء الفرنسية فى تقرير لها من بيونس أيريس أن مئات الآلاف من أنصار الفريق استيقظوا من نومهم مبكرا لمتابعة المباراة أملا فى أن يحقق المنتخب انتصارا يصل به إلى الدور الثانى ، غير أن التعادل والخروج تركهم منكسى الرؤوس. وقالت سيلفيا باروتى ، ربة منزل (55 عاما) وهى تحدق فى الأرض فى أحد المقاهى بوط المدينة: "إنها ضربة جديدة للشعب الأرجنتينى الذا عانى كثيرا بسبب الوضع العام فى البلاد". وعلى الرغم من ارتداءه الزى الشهير للفريق الأرجنتينى متحديا بذلك مشاعر الأسى والحزن ، فإن ترادار سيرجيو (29 عاما) أخذ يكيل الانتقادات تباعا للفريق قائلا إن من يكسب هذه الأموال الطائلة ، يجب أن "يلعب من أجل الفوز من المباراة الأولى ، وليس فى الدقائق الأخيرة من اللقاء الثالث بعد فوات الأوان".