خسارة البرازيل أمام هولندا أشبه بالانتحار منها إلى الهزيمة، بعدما قتل راقصو البرازيل ودونجا أنفسهم أمام الطواحين، وأفلتوا من بين أيديهم بطاقة المرور لقبل نهائي كأس العالم. فبعد 45 دقيقة مثالية للسليساو، سجل منتخب البرازيل في نفسه، وفقد تركيزه كليا لتستقبل شباكه هدفا ثانيا، وبعدها طرد ارتكاز الفريق نفسه بنفسه .. لينتحر راقصو السامبا. بداية، "كان" منتخب البرازيل المرشح الأبرز لقنص اللقب بناء على مستوى لاعبيه في البطولة، وتجانس الفريق وصلابته دفاعا وهجوما. خاصة وأن دونجا ورجاله كانوا أشبه بكتيبة تعرف كيف تحقق هدفها، انطلقت من كوبا أمريكا ثم كأس القارات، وأعقب ذلك ثلاثة انتصارات وتعادل في المونديال. ولم يتوقع أحد بعد التقدم بهدف وبعرض رائع طوال ال45 دقيقة الأولى من اللقاء أن يخسر منتخب البرازيل أمام فريق هولندا الذي غاب عن الوعي طوال الشوط الأول. وحقيقة، أظن أن عرض هولندا المميز للغاية في الشوط الثاني لم يكن ليأتي لو أنهى منتخب البرازيل المباراة بهدف ثان حين أتيحت له الفرصة. لكن النقاط التي تسببت في انفلات المباراة من يدي البرازيل أهدت هولندا الاستفاقة، واستغل فريق الطواحين الفرصة أحسن استغلال. إذن كيف خسر منتخب البرازيل كل شيء في لحظة؟ 1) تحركات كاكا وروبينيو طوال الشوط الأول، كان كاكا مع روبينيو يتحركان على الجناح الأيسر للبرازيل - الأيمن لهولندا - ما منح السليساو التفوق بشكل كبير في المباراة. فمنتخب هولندا يعتمد في هجومه على الجناح الأيمن وبطله آريين روبن، وانتظر بيرت فان مارفيك مدرب الفريق طوال الشوط مساحات خلف باستوس الظهير الأيسر للبرازيل لاستغلالها. لكن تحرك كاكا مع روبينيو ناحية اليسار، جعل باستوس قليل الانطلاق للأمام، ولم يترك مساحات كبيرة أمام روبن لاستغلالها. كما أن كاكا وروبينيو كانا يجبران فان دير ويل الظهير الأيمن لهولندا على عدم التقدم، وبالتالي حُرم روبن طوال الشوط الأول من المساندة. أما في الشوط الثاني، أصبح كاكا يتحرك ناحية اليمين بجوار مايكون دون سبب واضح، بل وتحول روبينيو كذلك للعب داخل منطقة الجزاء بجوار لويس فابيانو. نتج عن ذلك، حصول فان دير ويل على فرصة التقدم، وبات باستوس في مواجهة دائمة "رجل لرجل" مع روبن .. وطبعا لا وجه للمقارنة بين اللاعبين الأعسرين. 2) ضعف باستوس بعدما تغاضى الحكم عن طرد باستوس، فقد لاعب أوليمبيك ليون الثقة في قدرته على الالتحام مع روبن الذي استفاق في الشوط الثاني. وهنا يجدر الإشارة، إلى أن باستوس برغم تقديمه لعروض طيبة في المونديال، إلا أنه يظل الحلقة الأضعف في دفاع البرازيل. فلاعب ليون لا يملك القوة الكافية لمواجهة روبن وهو يحمل في جعبته بطاقة صفراء قد تحمر في أي لحظة. وهذه المباراة تؤكد أن مركز الظهير الأيسر سيظل صداعا يؤرق منتخب البرازيل منذ اعتزال الأسطورة روبرتو كارلوس. 3) شوط هولندا الكلمات السابقة لا تعني أن هولندا فازت بسبب أخطاء البرازيل، فالفريق البرتقالي لعب بذكاء كبير على عيوب نجوم السامبا. فقد تحرك شنايدر مع روبن ناحية اليمين وفان دير ويل، ففتح الفريق البرتقالي لنفسه بابا يعبر منه ناحية مرمى البرازيل بسهولة. كما ترك مارك فان بومل رقابة كاكا لنيجيل دي يونج، والأخير نجح في احتواء نجم ريال مدريد وملهم البرازيل الأول، على عكس قائد بايرن ميونيخ في الشوط الأول. وتزامنت سيطرة هولندا مع افتقاد فيليبي ميلو لاعب وسط البرازيل لتركيزه تماما في المباراة، وأول الغيث البرتقالي كان هدفا سجله ارتكاز يوفنتوس في مرمى فريقه. 4) جمود برازيلي بعدها وضح أن البرازيل تجمدت في الملعب، الجميع ينتظر كيف سيحل دونجا أزمة باستوس، ولا يعلم ماذا حدث لهولندا ومتى استفاق فريقها البرتقالي؟ ازداد لاعبو البرازيل عنفا دون سبب، وانفلتت أعصابهم في الملعب تماما، وأصبح نجوم هولندا هم الأكثر تركيزا في المستطيل الأخضر. في تلك الأثناء، حصل منتخب هولندا على الثقة، وتقدم الخط الخلفي للفريق البرتقالي لمساندة الهجوم بشك أكبر، ونجح الطواحين في إحراز هدف التقدم. 5) تبديلات دونجا وحين تدخل دونجا زاد الطين بلة، فأشرك جيلبرتو الضعيف دفاعا وهجوما بدلا من باستوس، وكان أفضل وضع داني ألفيش كظهير أيسر مثل نهائي كأس القارات. جيلبرتو لعب دور المعبر لهجمات هولندا، وكان حضوره الهجومي صفر كذلك، وحين عاد روبينيو لمركز الجناح الأيسر لم يجد معاونة تذكر من الظهير البرازيلي. فان مارفيك في تلك الأثناء كان يتحكم في إيقاع المباراة، واستغل لاعبوه دون تركيز المساحات التي تركها المنتخب البرازيلي وهو يهاجم. 5) باتو يا دونجا هذ النقطة لها علاقة وطيدة بالنقطة الخامسة، كونها أيضا تتحدث عن أخطاء دونجا في التبديلات. انتحار دونجا رسميا حدث حين سحب لويس فابيانو من خط الهجوم، وأشرك اللاعب المهاري – غير الفعال – نيلمار، لتنتهي حظوظ البرازيل في العودة. وهنا يمكن توجيه السؤال لدونجا .. لماذا تركت ألكسندر باتو يشاهد المونديال في بيته طالما لا تملك في قائمتك لاعبا بقدراته؟ لن أتحدث عن رونالدينيو لأنه ربما يثير أجواء غير رياضية بين اللاعبين بسبب سهره وتصرفاته خارج المستطيل الأخضر، لكن ماذا عن باتو؟ باتو كان سينفع البرازيل بشكل كبير في موقف كهذا، بدلا من البحث على الدكة بين نيلمار وجرافيتي وكليبرسون وجوليو بابتيستا. دونجا جمع فريقا رائعا وأعده بشكل مثالي، وكان منتخب البرازيل المرشح الأفضل للبطولة بسبب طريقة اللعب الصارمة والانسجام الكبير. لكني قبل البطولة ذكرت أن البرازيل لو احتاجت في مباراة لموهبة لن تجد بسبب إصرار دونجا على إبعاد باتو ورونالدينيو ودييجو تحديدا. وأمام هولندا يتوجب على دونجا تحمل عقبات اختياراته. أما منتخب هولندا، فحقيقة هو لم يقدم ما يجعله بطلا للمونديال حتى الآن، لكن العرض الرائع لرفاق روبن أمام البرازيل عليه أن يزيد ثقة الفريق في قدراته على قنص أول لقب للطواحين الممتعة.