عندما تسعى بلد ما إلى تطوير كرة القدم داخلها تتوجه في الأساس إلى دعم عناصر اللعبة الأساسية التي تتكون من لاعبين ومدربين وحكام وجماهير، أما أن يحاول بعض المسؤولين القضاء على ما تبقى من الجماهير اختارت بمحض إرادتها أن تحيي ملاعب كرة القدم فلابد أن شيئا ما خطأ في حساباتهم. تابعنا جميعا الحملة التي يشنها عدد من الإعلاميين الكبار على ظاهرة "الألتراس" في الفترة الأخيرة بل أن بعضهم خصص فقرات أساسية من برامجهم للتحدث عن خطر هؤلاء الشباب. ربما يمتلك هؤلاء الإعلاميين بعض الحق في مهاجمتهم لظواهر العنف والشغب داخل الملاعب المصرية، ولكن أن يطالب بعضهم بحبس هؤلاء الشباب واتهامهم بأبشع الاتهامات التي تمس شرفهم وحياتهم الشخصية فهو الأمر الظالم تماما. فظاهرة "الألتراس" متواجدة في كل ملاعب أوروبا منذ ستينات القرن الماضي، بل إنها منتشرة أيضا في ملاعب الشمال الأفريقي منذ التسعينات، ورغم متابعتي لتلك البطولات باستمرار إلا أنني لم أسمع يوما تصريحا من مسئول في الاتحاد الإيطالي لكرة القدم يصف فيه الجماهير "بالكفرة والمدمنين". ولعل كبار الإعلاميين الذين يتحدثون من أبراجهم العاجية لا يعلمون مدى تأثير هؤلاء الشباب على المدرجات التي لم تطأ أرجلهم إياها طوال حياتهم، ولا يعلمون كم التأييد الذي يجده الألتراس من قبل لاعبي كرة القدم.
من يطالب بحرمان الألتراس من دخول الملعب عليه أن يأتي بجماهير بديلة ومتابعو الكرة يعرفون جيدا مدى التغيير الذي حدث في المدرجات المصرية منذ ظهور جماعات "الألتراس" من طرق التشجيع واللوحات الفنية والدخلات التي يقدمونها في بدايات المباراة بالإضافة إلى دعهم الدائم لفرقهم داخل ملعبهم أو خارجه. وربما كان حماسهم الزائد وتعصبهم في بعض الأحيان يؤثر على صورتهم الأخيرة أمام الرأي العام، إلا أننا يجب أن نتفق أن الاستاد من قبلهم لم يكن مسجدا أو دارا للعبادة، فطالما تعودنا على سماع السباب داخل الملاعب حتى قبل ميلاد شباب "الألتراس". ومن يطالب بحرمان هؤلاء الجماعات من دخول الاستادات أو منعهم بواسطة الشرطة يجب أن يأتي من عنده بجماهير بديلة تحضر المباريات التي دائما ما نحزن لمدرجاتها الفارغة. وعندما لا يعلم المسؤولين الكبار خطر تعريض مستقبل بعض شباب تلك الأمة في وضعهم في مواجهة مع الشرطة، واتهامهم بترويج المخدرات والصواريخ والقنابل كأنهم جماعات إرهابية متطرفة بدلا من احتواءهم وتقويمهم وتشجيهم فهذا هو عجز القيادة. فإذا كان مسؤولي كرة القدم بالفعل يسعون إلى تطوير اللعبة والاستفادة منها ماديا وإعلاميا يجب أن يهتموا أكثر بالجماهير التي تعد العنصر الأقوى في المنظومة ككل بدلا من وضعهم في خانة المنافس لمجرد أسباب شخصية غير معلومة.