في النمسا وتحديدا مع بدايات القرن ال19 ولد عالم الوراثة الشهير جريجوري مندل وبعدها ب60 عاما توفي دون أن يشعر به الكثيرون حتى اكتشفوا بعدها ب20 سنة تقريبا ما تركه مندل من إرث ليصبح بعد وفاته رجلا عظيما. دعك من تلك النهاية المختصرة .. فقط تخيل كيف عاش هذا الرجل أيامه الأخيرة وكيف واجه إهمال الجميع لأبحاثه وكيف قابل الانتقادات التي وجهت له لعدم مواكبته للأبحاث المتقدمة الأخرى وقتها وكيف عاش دون أن يفهمه أحدا وكيف مات بحسرته. هذه هي النهاية التي قد يعيشها الفرنسي العجوز أرسين فينجر مدرب أرسنال التي تطوله الانتقادات والسخرية ليلا ونهارا طوال ال7 سنوات الماضية بسبب فشله في الفوز بالبطولات بمشروعه الذي يعتمد في الأساس على لاعبين صغار أو مغمورين. حسنا دعونا نعود لعام 1996 حينما أتى هذا الرجل لتدريب المدفعجية بعد عام قضاه هناك في اليابان في أعقاب تركه لبلاده بسبب فضيحة الرشوة التي طالت مارسيليا بطل أوروبا والتي منعت فريق أرسين فينجر (موناكو) من لقبين على الأقل. الرجل شعر بالظلم فابتعد عن أوروبا بأسرها وسافر لليابان، ثم عاد من بوابة أرسنال كرجل منسي لدرجة أن الصحافة الإنجليزية أثارت التساؤلات وكان المانشيت الأشهر وقتها هو "أرسين من؟". الرجل قاد أرسنال في أعوامه ال8 الأولى للفوز بالدوري 3 مرات منهم موسم تمكن من الفوز بالثنائية المحلية ليصبح أول مدرب غير بريطاني يفوز بالدوري وكذلك بالثنائية وتوالت نجاحات فينجر حتى توقفت في العام 2005 بالنسبة لمتابعي الكرة. في عام 2003 قالها فينجر بأنه يستطيع أن ينهي الدوري دون خسارة، الصحافة الإنجليزية وصفته بالمجنون صباح اليوم التالي .. وفي مايو 2004 فعلها المجنون وأنهى الدوري دون خسارة بفريق من تكوينه، ماذا حدث بعد ذلك ؟ لماذا فشل فينجر؟
دعونا نعود للتسعينات .. هل تذكرون شابا ليبيريا إسمه جورج وايا صال وجال مع ميلان الإيطالي وبات أول إفريقي يفوز بجائزة أفضل لاعب في العالم؟ هذا الشاب المغمور أتى به أرسين فينجر من تونير ياوندي الكاميروني حينما كان يدرب موناكو في الثمانينات من القرن الماضي. مشروع أرسين فينجر الذي اعتمد فيه على مهاراته في التوقيع مع لاعبين صغار أو مغمورين أو فقدوا بريقهم كجورج وايا أو تييري هنري أو بيريز .. إلخ وتطويرهم بدأه مع أرسنال في السنوات القليلة الماضية ولم يتمكن من الفوز بأي بطولة. لن يشفع لك يا صديقي وصولك لنهائي دوري الأبطال فتشيلسي الذي استخدم الأموال كما تكره أنت وصل للنهائي مرتين وتوج باللقب مرة، مانشستر سيتي توج بالدوري الإنجليزي بالطريقة ذاتها .. ليس لديك أعذار الآن. الآن وفي العام 2013 أود أن أشير لحقيقة أن مشروع فينجر لم يفشل، الرجل أجبر على شراء لاعبين بأسعار منخفضة .. لا تجعل دخل أرسنال السنوي والذي يجعله ضمن أكثر 5 أندية دخلا في العالم سنويا على الأقل يغريك فالأمور أكثر تعقيدا من ذلك. أرسنال يعاني منذ انتقاله لملعبه الجديد من الديون فلم يكن أمام فينجر سوى هذا المشروع أو الإفلاس والذي هبط بأندية عريقة للدرجات الأدنى آخرها رينجرز الإسكتلندي النادي صاحب التتويجات الأكثر في تاريخ المستديرة. ووفقا لمجلة فوربس فإن أرسنال حتى عام 2010 كانت ديونه أكثر من قيمة النادي نفسه ولا تعتقد بأنها أصبحت 0 في 2012 بل مازالت موجودة حتى يومنا هذا، لولا فقط أن الديون تدفع على أقساط لكان مصير المدفعجية هو الدرجة الثالثة أو أدنى .. إذن فالصياغة الصحيحة هي لولا فينجر لكان مصير المدفعجية هو الدرجة الثالثة. فإن كنت تعمل في مصرف ودخلك 5 آلاف إسترليني شهريا وتدفع قسط لمنزلك الرائع الجديد 4 آلاف إسترليني كل شهر فهذا الدخل لا يعبر عن أحوالك المادية على الإطلاق .. أنت مضطر لتحمل نهاية تلك الديون حتى تستمع براتبك كله في منزلك الجديد.
هذا ما يحدث تماما مع أرسنال، الفريق اضطر لخفض أهدافه الموسمية في الوقت الذي ينتظر الجميع منه أن يحقق نتائج كمنافسيه الذين يدفعون رواتب أضعاف ما يدفعه أرسنال ويشتري لاعبا واحدا بأموال تفوق دخل المدفعجية كله سنويا. أرسين اضطر للبيع حتى يشتري، اضطر أن يترك نجوما يرحلوا لأنهم طلبوا رواتب لن يستطيع تحملها النادي كل هذا أثناء مطالبة الجميع له بالفوز بالبطولات .. في رأيي مشروعه نجح فهو بميزانية وظروف لا يعيشها نادي مثل كوينز بارك رينجرز لم يتغيب موسما واحدا عن التأهل لدوري الأبطال. ما يختلف في أرسنال عن منافسيه بأنه لا يوجد مالك يوفر له سنويا أموالا كثيرة لشراء النجوم، شركة أرسنال مازالت هي من تستحوذ على النادي وليس ثري خليجي أو روسي أو أمريكي. هل تقرأ أخبار مفاوضات أرسنال للويس سواريز واستعداده لدفع 35 مليون إسترليني ؟ أو أنه مستعد لدفع 25 في لاعب كإيجواين ؟ هل قرأت تصريح العجوز الفرنسي بأن فريقه يستطيع تحمل راتب روني ؟ هل هذا أرسين فينجر الذي تعرفه ؟ تصريحات إيفان جازيدس المدير التنفيذي للنادي بأن فينجر بإمكانه دفع 70 مليون في الانتقالات هذا الصيف تعبر عن استمرار نجاح مشروع أرسنال .. نعم البطولات غابت عن خزانة النادي ولكن ما باليد حيلة، فأنت ترى المجانين الآن باتوا يدفعون 70 و 80 مليونا في اللاعبين الذين يجلبون البطولات. الأخطاء واردة كإصراره على لعب نهائي الكارلينج في 2007 بالشباب وخسارة بطولة كان بالإمكان الفوز بها ولكن في النهاية فينجر نجح بنسبة 75% بمشروعه، فقط عليك أن تنتظر حينما يتمكن النادي من جلب اللاعبين الذين يصنعون الفارق في المستوى رقم 1 في أوروبا ثم تطلق عليه اللعنات في نهاية كل مايو حينما يخرج صفر اليدين.