تسود المجتمعات المتحضرة سمتان أساسيتان هما العدل والمعرفة، ويتحقق العدل من خلال القضاء المستقل الشامخ، بينما تسهم وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية فى توفير المعلومات التى تتيح حق الناس فى المعرفة. وقد دأبت تيارات الإسلام السياسى منذ اعتلائها نظام الحكم على الهجوم غير المبرر والمتجاوز لكل المعايير الأخلاقية على رموز القضاء الشامخ، بل وعلى النظام القضائى بأكمله، وليس حصار المحكمة الدستورية العليا ببعيد، لدرجة منع رئيس المحكمة الموقر من الدخول وممارسة مهامه، وفى غيبة كاملة من هيبة الدولة التى تبدو عاجزة تماماً عن ممارسة دورها فى تحقيق الأمن والأمان. ثم امتد الهجوم الضارى من غل يد القضاء إلى النظام الإعلامى بأكمله، فمن وصْف مرشد جماعة الإخوان للإعلاميين بأنهم «سحرة فرعون» إلى إقصاء أحد رؤساء تحرير الصحف القومية دون سند من القانون، إلى الهجوم السافر من جانب بعض قيادات الإخوان المسلمين وذراعها السياسية (حزب الحرية والعدالة)، على كل أجهزة الإعلام وكل الإعلاميين دون تمييز، مروراً بإحالة العديد من الإعلاميين بالتليفزيون الرسمى إلى التحقيق والجزاء وتكميم الأفواه التى تنتقد نظام الحكم وأساليب الممارسة القمعية من جانب السيد وزير الإعلام، فضلاً عن التهديدات المستمرة بإغلاق الصحف والقنوات الخاصة، وامتدت هذه التجاوزات إلى إزهاق الأرواح وفقد شهيد الصحافة والإعلام الشاب الواعد الراحل الحسينى أبوضيف الصحفى الثائر بجريدة «الفجر» الذى اغتيل بكل خسة وندالة على طريقة الشهيد الشيخ عماد عفت بميدان التحرير. ثم يأتى حصار مدينة الإنتاج الإعلامى لأيام عديدة والاعتداء الصارخ على عدد من الإعلاميين والتهديد والترويع للقنوات الفضائية والاعتداء الآثم على المخرج المبدع خالد يوسف وتحطيم سيارته، ومن قبله العدوان على الصحفى البارز خالد صلاح، والتحقيق مع الإعلامى المتميز محمود سعد وغيرهم الكثير من رموز الإعلام المصرى. ثم تأتى الطامة الكبرى عبر ميليشيات «حازمون» للهجوم الغاشم على مقر حزب وجريدة «الوفد»، وحصار صحف «الوطن» و«المصرى اليوم» و«الدستور» و«الأسبوع» و«الفجر»، والاعتداء الجسدى على الصحفيين وإصابتهم إصابات بالغة، كما حدث مع محرر جريدة «الوطن» حسين العمدة. لقد راعنى ما تتعرض له وسائل الإعلام الرسمية والخاصة من هجمات شرسة وممنهجة تستهدف تكميم الأفواه، وإقصاء الآراء المخالفة، ومنع التعددية التى تُعد من أبرز مقومات المجتمع المصرى ومظاهر قوته وتمايزه، وإذا كانت وسائل الإعلام بهذا القدر من السوء، فلماذا تسعون إلى الظهور المتكرر فى جميع القنوات وكل البرامج، ولا تخلو صحيفة من أعمدة وآراء تنشر أفكاركم، وتروج لأيديولوجيتكم؟ فلماذا تخشون من صراع الأفكار ومقارعة الحجة بالحجة والرأى بالرأى الآخر؟ لقد كان من أبرز أهداف ثورة يناير تحقيق الحرية والكرامة الإنسانية، وحرية وسائل الإعلام ليست امتيازاً خاصاً للإعلاميين، وإنما هى ضمانة أكيدة لإتاحة حق المواطن فى المعرفة ومراقبة ما يحدث فى البيئة المحيطة به. ألا يكفى هذا الدستور المعيب الذى صدر بليل ولم يحظ بأى قدر من التوافق المجتمعى، ولم يلبِ تطلعات الصحفيين والإعلاميين، وما ينطوى عليه من شكوك كبيرة بالتغول على استقلالية السلطة القضائية؟ تذكروا أيها السادة أن الإعلام الحر كان من بين الأسباب التى أسهمت فى انهيار النظام السابق رغم هيمنته واستبداده، وأن الحرية التى انتزعها المصريون غير قابلة للسلب أو التفريط. أيها الإعلاميون الأحرار اتحدوا وتماسكوا ولا تخشوا فى الحق لومة لائم، فأنتم أصحاب رسالة، وكم تعرضتم من عسف واضطهاد سابق لم يؤثر فى عزيمتكم، واستمروا فى كشف السلبيات وإصلاح الاعوجاج، وتذكروا أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ودائماً يبقى الأمل.