ربما لن تكون المرة الأخيرة التى يتعرض فيها الإعلام المصرى لهجمات شرسة من جانب سلطات الدولة وبعض رموز جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة المهيمن على السلطة فى الفترة الحالية. وبالرغم من التحفظات الكثيرة على بعض ممارسات الإعلام المصرى الناتجة عن الافتقار إلى المهنية وفقدان البوصلة التى تضبط الأداء وتراعى الصالح الوطنى، وذلك نتيجة عدم إجراء تعديلات جوهرية على بنية النظام الإعلامى الذى نشأ وتطور ليعبر عن نظام سلطوى يلتزم بالتأييد المطلق للحاكم والدفاع عن سياسات الحكومة وحجب كافة الآراء والأفكار المناهضة لسياسات النظام الحاكم مع وجود سلسلة هائلة من القيود التشريعية التى تقيد حرية التعبير وتقمع الآراء المناهضة للحاكم. ففى واقعة غير مسبوقة فى التاريخ المصرى قرر الدكتور أحمد فهمى، رئيس مجلس الشورى، وبصفته رئيس المجلس الأعلى للصحافة إيقاف السيد/ جمال عبدالرحيم رئيس تحرير جريدة الجمهورية عن العمل وإحالته للتحقيق أمام المجلس الأعلى للصحافة، وذلك على خلفية نشر جريدة الجمهورية معلومات غير صحيحة بشأن السيد المشير حسين طنطاوى وزير الدفاع السابق والسيد الفريق/ سامى عنان رئيس الأركان السابق، وعلى الرغم من أن الجريدة سارعت بتصويب هذا الخطأ فى اليوم التالى فى مكان بارز بالصفحة الأولى، وبالتالى فإن ما حدث هو تصويب لخطأ مهنى لا تخلو منه أية وسيلة إعلامية وبما لا يستوجب هذا التدخل السافر من جانب رئيس مجلس الشورى والذى من شأنه توجيه رسالة إرهاب وترويع لكافة الإعلاميين المصريين. وجاء رد الفعل سريعاً من جانب مجلس تحرير جريدة الجمهورية الذى أصدر بياناً أعرب فيه عن رفضه قرار رئيس مجلس الشورى، وذكر المجلس فى بيانه: «يأسف مجلس التحرير للتطورات الأخيرة التى تمس حاضر ومستقبل جريدة الجمهورية التى نحرص جميعاً على استمرارها شعلة مضيئة للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ولساناً معبراً بصدق عن الشعب، آماله وأحلامه ومشكلاته وهمومه»، وأوضح البيان «أن المجلس يرفض مبدأ إيقاف رئيس التحرير بقرار فردى من جانب رئيس مجلس الشورى ويعتبره عدواناً لم يسبق له مثيل على حرية الصحافة وكرامة الصحفيين». وقد يتصور البعض أن هذه الواقعة مجرد حادث فردى وعابر رغم خطورته، إلا أنه يعكس نمطاً من التفكير ورغبة فى الاستحواذ والسيطرة، وأسلوب المغالبة لا المشاركة الذى اتسمت به ممارسات جماعة الإخوان المسلمين وجناحها السياسى الممثل فى بعض قيادات حزب الحرية والعدالة، فليس ببعيد العبارة التى أطلقها فضيلة المرشد العام على الإعلاميين باعتبارهم «سحرة فرعون»، وما تبعه من إيقاف جريدة الدستور وإحدى القنوات الفضائية بتهمة إهانة السيد الرئيس، مروراً بالتغييرات غير المبررة لرؤساء التحرير ورؤساء مجلس إدارات الصحف القومية لدعم الخط السياسى المحدد من جانب مجلس الشورى، كما وصل الأمر بالسيد/ صلاح عبدالمقصود وزير الإعلام بإحالة فريق برنامج «نهارك سعيد» بالقناة الثانية للتحقيق لأن ضيف البرنامج وجَّه انتقادات لمشروع النهضة وضعف سيطرة الدولة على سيناء وممارسات رموز حزب الحرية والعدالة مما يعد عدواناً على حرية الرأى والتعبير وإعادة لإنتاج النظام القديم. ثم جاءت أزمة النائب العام مع رئيس الجمهورية وما تبعها من تصريحات للسيد المستشار محمود مكى نائب رئيس الجمهورية بتحميل الإعلام خطايا الممارسات السياسية، فالإعلام لم يختلق خبر تعيين النائب العام سفيراً لمصر فى الفاتيكان وإنما قام بنقل القرار الذى أعلنته رئاسة الجمهورية، وعند تحرى وسائل الإعلام عن مبررات هذا القرار المفاجئ لإتاحة حق المواطن فى المعرفة ظهرت التصريحات المتناقضة من كبار المسئولين برئاسة الجمهورية وإعلان النائب العام رفضه التنازل عن منصبه بحكم القانون وانتفاض الهيئات القضائية للدفاع عما وصفته بتغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، فهل كان من المطلوب أن يمتنع الإعلام عن نقل الحقائق للجماهير؟ ولم تكد تنتهى أزمة النائب العام حتى بدأ الهجوم الممنهج على الإعلام من جانب السيد الدكتور/ عصام العريان القيادى بالجماعة وحزب الحرية والعدالة موجهاً اتهامات مباشرة إلى السيدة/ جيهان منصور المذيعة بقناة دريم الفضائية، مما جعلها تتقدم ببلاغ إلى النائب العام تتهم فيه الدكتور/ عصام العريان مستشار رئيس الجمهورية بالسب والقذف، وذكرت فى البلاغ أنها فوجئت بالدكتور العريان أثناء مداخلته الهاتفية فى برنامج «صباحك يا مصر» يتهمها بتقاضى أموال مقابل الهجوم على الجماعة والحزب واصفاً طريقتها فى الحوار بأنها فاشية فكرية وتكميم غير مقبول للأفواه مما اعتبرته سباً وقذفاً فى حقها. وهذا ما جعل عشرات الصحفيين والإعلاميين ينظمون وقفه احتجاجية أمام مكتب النائب العام للتضامن معها، واتهموا حزب الحرية والعدالة بأنه يسعى لإقصاء المعارضين وتكميم الأفواه، والمصادرة للآراء، ووصفوا تصرفات قيادات الحزب بأنها غير مسئولة وتتجاوز ما كان يحدث فى ظل النظام السابق. هذه مجرد نماذج لممارسات ظهرت خلال الفترة القصيرة الماضية، وهى تشكل فى مجملها خطورة بالغة على حرية التعبير والإعلام وتستوجب مواجهتها بحزم من جانب الجماعات الإعلامية وحقوق الإنسان والقوى السياسية.. أيها السادة انتبهوا.. حرية الإعلام المصرى فى خطر.