عاد إلى منزله.. قبّل يد والدته الطاعنة فى السن التى لم تُرِد أن تنام حتى تطمئن عليه وتقدم له الطعام لأنها تعرف أنه لم يتناول عشاءه بعد. قام لينام، واصطحبت أمه هاتفها المحمول الذى يوقظها لصلاة الفجر، وقبل أن تغفل عيناها سمعت أصوات طرق قوية على الباب أعقبها اقتحام للمنزل من أكثر من عشرة رجال، حسب روايتها، كسروا الباب، وقلبوا محتويات الشقة رأساً على عقب، وحين خرجت لهم دفعها أحدهم وهو يقول لها: «اوعى بعيد يا ست انتى» فسقطت على ظهرها فى عنف، وهى غير مصدقة أو مدركة لما يحدث، قبل أن يسحب بعضهم ابنها من غرفته وهو يقول: «طب أسلم على أمى.. طب أقول لها حاجة»، لكنهم سحبوه فى غلظة ولم يردوا على الأم التى ظلت تبكى حتى الآن وهى لا تعرف سبب اعتقال ابنها. حين أقول لك هذه الحكاية يجب أن تتعاطف مبدئياً مع الأم، ثم مع الولد، لو كنت سوياً، لكن بعد قليل سيتساءل أحدهم: هو عمل إيه؟ مش يمكن عمل جريمة؟ لنرد: وما ذنب أمه؟ ولماذا لم يخبروها؟ ولماذا لم يكتفوا بالقبض عليه فقط دون تحطيم محتويات الشقة وإلقاء أمه العجوز أرضاً؟ ثم سينخفض هذا التعاطف فجأة للنصف لأسباب يجب أن يفكر فيها الجميع بعيداً عن استسهال تهمة «كره الإسلاميين» وما إلى آخر هذا الهراء، حين سيعرف البعض أن الشاب عضو حركة «حازمون» التابعة لحازم أبوإسماعيل، وأنه -وفق ما يتردد- متهم بالضلوع فى اقتحام وحرق مقر حزب الوفد، لكن -مع ذلك- لم يتم توجيه تهمة رسمية لأحمد عرفة، حتى لحظة كتابة هذه السطور، وبعد أكثر من 12 ساعة من اعتقاله، ولم يصدر عن «الداخلية» أى بيان محترم حتى الآن، ولنعد إذن للتعاطف الذى قل بعد معرفة انتماء الشاب لنتساءل: هل تتعاطف أو تتضامن مع حق المتهم فى معاملة آدمية أياً من كان لأن لديك مبدأ، أم تتاجر بالأمر، أم أن قناعاتك تتغير وفق اختلافك السياسى مع شخص واتجاه وأفكار المعتقل (يعنى بلا مبدأ)؟ كنت أريد أن «أرقع صداغ سعادتك» بدش كلام ساقع، أنا واثق أنه لن يجعلك تفيق أبداً لو كنت من أصحاب اللامبدأ، لكن منعتنى أصوات عالية ومزعجة من «حازمون» ظلوا يرددون أنهم لا يريدون تعاطفاً من العلمانيين الذين خسروا دينهم أصلاً، وأنه لا يشرف الولد أن يتضامن معه هؤلاء النشطاء الليبراليون المارقون الفاسقون الذين سيستغلون الأمر لصالحهم ويزايدون على «حازمون» بمواقفهم!! ثم صدمتنى كمية «شماتة» غير طبيعية فى الولد الذى يرى كثيرون أنه «يستاهل»، لا سيما بعد الخبر الذى تم نشره وتداوله، ولم يتم نفيه حتى الآن حول قيام «حازمون» بوضع سيف على رقبة قيادة أمنية كبيرة وتهديده، ثم ما يتردد حول شجار «أبوإسماعيل» شخصياً مع قيادات أمنية وقوله بالحرف لأحدهم: «انت نسيت نفسك ولا إيه؟ ده أنا كنت هبقى رئيس جمهوريتك يا بنى آدم»!! وهو الخبر الذى نُشر فعلاً وتم تداوله دون رد!! ربما كان أحمد عرفة من هؤلاء الذين قال عنهم مدير مباحث الجيزة إنهم فى طريقهم لجريدة «الوطن»، وروعوا زملاءنا وزميلاتنا، وربما كان أحد هؤلاء الذين ألقوا «المولوتوف» على «الوفد» وحاولوا حرقه، وربما كان هو الطرف الثالث شخصياً، لكن هل يكفى كل ذلك لكى لا يجد حقه فى معاملة محترمة، واتهامات واضحة، وإذن نيابة صادر للقبض عليه، ومعاملة آدمية لأمه الطاعنة فى السن التى أدمت قلوبنا فى فيديو لها على «يوتيوب»؟ نحن نتعامل بأخلاقنا ومبادئنا التى ربما لا يعرفها «أبوإسماعيل» والذين معه، ولا أعتقد أننا نفعل ذلك لأننا بنموت فى دباديب سعادته (دباديب أبوإسماعيل أصلاً شىء صعب تخيله)، لكن لأن المبدأ واحد، وهو أننا نرفض الظلم الواقع على أى إنسان، فهذا ما علمنا إياه ديننا الذى نحمد الله أننا ما زلنا نعرفه، وقت أن نسيه كثيرون، وأخيراً عندى ثلاث رسائل: - رسالة للشامتين: ستجد من يشمت بك مهما كنت مظلوماً، ولتعرف أنك تصنع أعداءك بنجاح. - رسالة ل«حازمون»: الحق أحق أن يتبع.. مهما هاجمتمونا واعتبرتمونا إعلاماً وجب تطهيره. - رسالة للشيخ حازم: هى «الجرين كارت» فين؟