نحن بين رئيسين لأول جمهورية تعقب ثورة عظيمة فى تاريخ هذا الشعب.. رئيسين يمثلان ما تقوم الثورة -أى ثورة- للخلاص منه.. أحدهما يمثل فاشية دينية تتصور احتكار الماضى والمستقبل وتحيا بأوهام نظام شمولى تجاوزه التاريخ يسعى إلى قصر العلاقات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية على عامل واحد هو الدين الذى سيصبح قادرا -وحده- على تجاوز التنوع القومى والعرقى والسوسيولوجى وصولا إلى مجتمع طوباوى يمر عبر تحقيقه بكل أنواع العنف و«الجهاد» ضد الآخر المختلف حتى لو شاركنا نفس الأرض وذات الهوية، أما الآخر فهو يمثل مباشرة نظاما فاسدا قامت الثورة للقضاء عليه، وإن لم تتمكن من تحديد الطريق البديل.. هذا النظام يحاول -عبر مؤسساته وميليشياته- تجاوز هذه الحقبة الثورية بأقل الأضرار؛ لا بأس من التضحية ببعض الرؤوس وإعادة صياغة بعض قواعد اللعبة الديمقراطية على طريقة «البونبونى» القديمة وتلميع بعض القيادات التى تباين موقفها قليلا مع النظام السابق، بحيث لا يظهر هذا الوجه القذر للنظام.. تتجدد الأقنعة إذن لكل من الرئيسين المحتملين ولكن المشاهد -غير المتأمل- لا بد أن يخرج باستنتاج بسيط ومباشر: «هذا إعلان حاسم على فشل الثورة».. على الأقل فى هذه المرحلة من عمرها الذى أؤمن -مثل الكثيرين- أن أحدا لن يعبر عن وجه الثورة الحقيقى قبل مرور عقد من الزمان، عقد نحتاجه لبناء مؤسسات حقيقية قادرة على الاقتراب من أحلام الناس التى أثبتت هذه الانتخابات أننا لا نعرفها إطلاقا.. لا فائدة من التعالى على الشعب «بأنه لا يعرف مصلحته»، وإنما يجب أن يبدأ كل شىء بالاعتراف أننا نقيم مجتمعات مغلقة نحاورها ونتداول معها فقط الأدب والفن والأحلام. أما البسطاء -المحرومون من التعليم والثقافة معا- فقد تركناهم لتجار الدين ومحترفى الفساد دون أن نمد أبدا أيدينا إليهم، ولا أن تنفتح عقولنا على عالمهم الواسع.. المتأمل لما حدث لا بد أن يتفاءل بأن مدعى الإسلام الفاشيين قد فازوا فقط ب 25٪ من الأصوات، وهى نفس النسبة التى حصل عليها اليمين الفاشى فى إسرائيل وفرنسا وألمانيا النازية.. وأن أمر تفرقنا يجب أن ينتهى فورا لكى ننقذ الوطن من غول الإرهاب المقبل باسم الدين أو تحت أى اسم آخر.. أما السؤال الذى أواجهه كل دقيقة فى هذا الظرف الثقيل: لمن تعطى صوتك وقد ضاقت بنا سبل الاختيار؟ فإجابتى من عنصرين: 1- لن ألقى صوتى فى البحر بالامتناع عن التصويت الذى يصب فى اتجاه الفاشية الدينية مباشرة ودون خداع للنفس أو إراحة للضمير. 2- سأفكر قبل أن ألقى بالورقة فى الصندوق -كمخرج سينمائى- من أستطيع فى ظل حكمه أن أخرج الأفلام؟ أليس هذا أبسط الحقوق؟! مجدى أحمد على كان - فرنسا