لا بديل أن نتوجه مباشرة للرئيس نناشده إنقاذ مصر من هذا القرار الغريب، الذى أعلنه مصدر حكومى أمس فى صحيفة «الوطن» المصرية بأن شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، أبلغ المجموعة الاقتصادية بتعميم الفحم فى الصناعة وتوفير الغاز لمحطات الكهرباء، وهذا عكس ما أعلنته حكومة محلب، التى أقرت استخدام الفحم فى الكهرباء التى اتفقنا عليها كخبراء للبيئة نظراً لأزمة الكهرباء، ولبعد محطات الكهرباء عن الكتلة السكنية، وفى الضرورة القصوى استخدامه فى بعض مصانع الأسمنت الواقعة فى غير الكتلة السكنية (أى فى المناطق الصحراوية)، ولفترة زمنية مؤقتة، أما هذا القرار فهو تعميم الفحم فى كل الصناعات، فهذا معناه مهرجان للفحم ينتشر من أسوان إلى إسكندرية، وهذا فضلاً عن الإساءة لالتزام الرئيس باتفاقية باريس لتغير المناخ، فإن إدخال مصدر تلوث قاتل لو دخل مصر لن يخرج منها، وفى الوقت الذى ينخفض فيه سعر البترول وينتج حقل ظهر للغاز الطبيعى، ولدينا 70 مليون طن مخلفات صلبة كوقود. مصر تستورد التلوث أو الهباب (بدلاً من القضاء على السحابة السوداء تستوردها)، فوجئت كافة الهيئات البيئية فى مصر من اتحادات ومجموعات خبراء ومراكز أبحاث ومجتمع مدنى بإعلان شركات الأسمنت وموافقة الحكومة على استخدام الفحم كوقود بديل للغاز الطبيعى والمازوت. رغم أن مصر خاضت تحديات كبيرة فى التعامل مع استخدام المازوت والزيوت المرتجعة كوقود ردىء فى الصناعات المتوسطة والصغيرة والكبرى نظراً للحجم الهائل من الملوثات. ومن العجب أن مصر تبدأ استخدام الفحم، وهى تبدأ موسم السحابة السوداء، وبدلاً من تكثيف الجهود للقضاء عليها تستورد لها المزيد من تلوث الهواء، ولقد تنفس خبراء البيئة ضمنياً بعد أن قل استخدام المازوت، ويزيد الاعتماد على الغاز الطبيعى، وتقوم الحكومة باستبدال المازوت، وهو الغاز السائل، الذى ينتج حرقه كمية لا بأس بها من الكربون والجسيمات الدقيقة والغازات من أكاسيد الكبريت والنيتروجين والكربون، فقد قررت الحكومة استبدال ما هو سيئ بما هو أسوأ، فقد قررت استيراد «الهباب»، أو الفحم لا استخدامه فى الصناعة والطاقة تحت ضغط شركات الأسمنت العالمية التى لم تشبع من مص دم المصريين وبيع الأسمنت بأعلى سعر فى العالم وحصولها على موارد مصر الطبيعية بملاليم فى ظل عدم وجود رقيب ولا حسيب لهم، وتحت زعم «حرية الخصخصة» باعت الحكومات الدجاجة التى تبيض ذهباً لهذه الشركات، لتكسب منها المليارات، ومع أول أزمة وجدوا أن الفحم ب4٫8 دولار، وأنه أرخص من الغاز والمازوت، فلماذا «يستوردون الأغلى»، بالطبع يستوردون الأرخص، ويدفع المصريون ثمناً من حياتهم بمزيد من الأمراض الصدرية وتنفق الدولة والأفراد والشركات 2٫8 مليار دولار (حسب تقرير البيئة الدولى عن البنك الدولى) على أمراض تلوث الهواء غير ثمن الغياب عن العمل وفقدانه القوى البشرية، وزيادة أمراض التحجر بين عمال مصانع الأسمنت. إن كل دولة لديها مخزون فحم طبيعى، وجب عليها استخدامه فهذا ما يسمى «inlaNd» موارد داخل حدود الأرض، وكل دولة ليس لديها مصدر طاقة آخر غير الفحم عليها استيراد الفحم من الخارج. ويبقى البديل الثالث، وهى الدول التى لا تمتلك فحماً فى الداخل ولديها خيار استخدام آخر غير الفحم، عليها أن تفكر كثيراً عند اختيار الفحم بديلاً، ولن نكرر هنا حواراً استمر طوال عام كامل ساندت فيها الوزيرة ليلى إسكندر عدة حملات شعبية، وأعلنت رسمياً هى وفريق العمل المختص بوزارة البيئة، رفضها لدخول الفحم مصر فضلاً عن استخدامه، وفى ذلك الوقت كان د. خالد فهمى، وزير البيئة الحالى، مسانداً وبقوة لاستخدام الفحم، فضلاً عن موافقته على دخوله، وكان الحديث الأول رفضنا المبدأ من أساسه، بينما الفريق الثانى استند إلى أن دول العالم تستخدمه وفق شروط خاصة، وبصرف النظر عما ردده عمال شركة طرة فى إضرابهم الأخير من أن لوبى الأسمنت فى مصر، قاد حملة منظمة وإعلامية شارك فيها أطراف كثيرة وإنشاء لوبى استيراد جديد هو لوبى استيراد الفحم موازياً للوبى استيراد القمح، ولوبى استيراد اللحوم الذين يستطيعون أن يقيلوا أى وزير فى أى وقت، وهنا كان ذكاء الرئيس السيسى فى الخطوات التالية: أنه هو الذى أعلن الأسبوع الماضى أن استيراد الفحم مرتبط بتطبيق صارم لشروط بيئية، وقال علانيةً الحفاظ على صحة المواطنين من أضرار الفحم شرط استخدامه، وهو الأمر الذى يجب مراعاته على أعلى مستوى، (أى مؤقتاً، ومحدوداً بصناعة محدودة، وبمواقع دون غيرها، حتى لا تعيش مصر «مهرجان الفحم»، وهى دولة ليس لديها فحم ومضطرة لاستيراده)، وهنا يكون هذا البديل أن مسار الفحم نقلاً وتوزيعاً هو سر خوف خبراء البيئة، ومن هنا فإننى لا أصدق أن الدولة تنشئ ميناء للفحم فى منطقة العين السخنة، وهل الدولة اعتبرت استثمارات السياحة فى العين السخنة لا لزوم لها، أم ترى تحويل المنطقة إلى نشاط آخر، ولا يبدو هذا منطقياً مع خطط التنمية الاستثمارية لإقليم القاهرة الكبرى. ■ وتردد السؤال: هل ذلك له علاقة بقرب ميناء العين السخنة من مصنعى أسمنت السويس، أم لخدمة 3 مصانع معاً، ولماذا لم يتم استخدام موانئ الفوسفات أو (الألومنيوم) أو إنشاء ميناء موحد لكل أنواع التعدين بدلاً من انتشارها على طول ساحل البحر الأحمر من سفاجا إلى العين السخنة، وبالطبع فإن جهاز رقابة قوياً جداً مطلوب لمراجعة مسار نقل الفحم وحتى دخوله فرن الأسمنت، وضمان عدم خروجه بعيداً عن هذا المسار، وإذا كان هذا الجهاز الرقابى يتبع وزارة البيئة، فلماذا لا يضم شرطة البيئة باعتباره مصدر تلوث صناعياً. ■ والخلاصة أن ما يزعج خبراء البيئة فى طاقة الفحم، هو هاجس واحد، وهو إذا كانت الحكومة لا تستطيع أن تسيطر على تلوث شكمان السيارات، فهل تستطيع أن تتحكم فى تلوث مصدر للطاقة بهذه الخطورة البيئية العالية، والمطلوب هو رسالة اطمئنان تستند لخبرة ماضٍ فى هذا المجال، ولإمكانيات حاضر يمكن التطبيق، ولتطلعات مستقبل قابل للتوسع، والأمل الذى تحقق على يد نفس الحكومة، (الطاقة الشمسية تنتشر وتتوسع). 1- ملف استخدام الفحم (3000 ميجاوات) أول محطة فحم بالكريمات بالبحر الأحمر = 8 ملايين طن فحم = 21 مليون طن كربون، و500 طن رصاص، 1000 طن زرنيخ. 2- تحويل المخلفات البلدية والزراعية لمصدر للطاقة (محطة أبوجريدة فارسكور - دمياط). وكثير من الخبراء الدوليين يتساءلون عن سبب لجوء مصر إلى تكنولوجيا القرن العشرين، وهى الطاقة النووية وتكنولوجيا القرن السابع عشر، وهى الفحم فى وقت واحد، ومصر أكبر مصدر للطاقة الشمسية، وكافة الرياح أن الأفران لا تدار بالطاقة الشمسية وتحتاج وقود غاز أو مازوت أو فحم، وعلينا أن نوصى صانع القرار بمقارنة عادلة بين الفوائد والأضرار لكل نوع من أنواع وقود الأفران، ومشكلة مصر فى التلوث هى الأتربة، وهذه مشكلة الفحم، ولكن قانون البيئة ومستويات التلوث فى مصر هى الفيصل بين وزارة البيئة ومستخدمى الفحم، وعلى المستثمرين إثبات قدرتهم فى تطبيق نظام إدارة بيئية قوى يتحكم فى ملوثات الفحم من الميناء إلى الفرن شاملة نظام تتبع للفحم ومساره عبر الطرق حتى لا ينتشر فى مصر وتستخدمه المسابك والصناعات العشوائية، ويمكن قصر الاستخدام على المناطق الصحراوية البعيدة فى حالة إثبات أنه البديل الوحيد للطاقة. أسف واعتذار إننا كخبراء بيئة نأسف أسفاً شديداً لتخلى وزير البيئة عن مهمته فى حماية البيئة، كما حددها الدستور وصاغها قانون البيئة وهذا هو الإطار السياسى للوظيفة التى يحاسبه عليها مجلس النواب ونعتذر لسيادتكم إن اضطررنا للجوء إليكم بعد أن تابعنا إصراركم على حماية صحة الناس والحفاظ على البيئة فى لقائك مع وزير الكهرباء، وفى لقائك فى افتتاح مصنع كوم أوشيم للبتروكيماويات وليس لنا من سواك بعد الله لو علمت أن مصر -حسب تقرير البنك الدولى- تدفع تكلفة تدهور صحى وبيئى بسبب تلوث الهواء سنوياً 1٫8 مليار دولار وهو نفس قيمة المبلغ الذى يرغب وزير الكهرباء فى توفيره من استخدام الفحم (معناه نخسر الصحة، ونكسب التلوث ولا مكسب آخر). مع خالص تحياتى..