إن المجتمع الإسلامى -كأى مجتمع بشرى- يصيبه العديد من الأمراض والأزمات التى تعترض مسيرة تقدمه وازدهاره، ولكن المجتمع المسلم فيه ميزة لا تتوفر فى غيره من المجتمعات البشرية ألا وهى أنه مجتمع تم تأسيسه على الوحى الربانى المعصوم الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وتأسيس المجتمع على الوحى المعصوم (قرآناً وسُنة) لا يعنى أن المجتمع معصوم، ولكن يعنى أن المجتمع يملك الأدوات التى تعيده إلى الحق إذا ما ضل عنه يوماً، وفى هذا الإطار نفهم قول الله تعالى:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَىءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً»، وإذا تأملنا هذه الآية نجد أنها تعد منهجاً كاملاً لضبط العملية السياسية فى المجتمع المسلم، فالأمر الموجه للمؤمنين جميعاً هو طاعة الله وطاعة رسوله، وهذه هى الطاعة الأصلية وكل طاعة سواها للوالدين أو للزوج أو لولى الأمر هى طاعة تابعة ومشروطة بتحقق هذه الطاعة الأصلية لله ورسوله. ولكن قد يحدث خلاف بين المحكومين والحاكمين، أو بين المحكومين بعضهم مع بعض، فيوضح القرآن الكريم ما الحل عند حصول الخلاف والتنازع، وذلك فى قول الله تعالى: «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَىءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ» أى أن القول الفصل عند التنازع لا ينبغى أن يكون للأهواء ولا للأغراض ولكن لله ورسوله. وسيقول قائل هنا: ربما أمكن تطبيق هذا الأمر القرآنى فى زمان النبى لكننا اليوم كيف نعيد الأمر إلى رسول الله وهو ليس بيننا؟ فيكون الجواب على ذلك أنه وإن لم يكن بيننا بشخصه لكنه بيننا بمنهجه وسنته التى إن تمسكنا بها وجدنا الخير كله على ما سيأتى فى المقالة بعد المقبلة من هذه السلسلة عند الكلام عن دور العلماء فى أوقات الأزمات. مرة أخرى وفى إطار تأسيس المجتمع الإسلامى على الوحى المعصوم نفهم أيضاً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا». وهل الدين يصيبه القدم أو يبلى حتى يحتاج إلى التجديد؟ إن الدين عند الله الإسلام، وهو الشريعة الخاتمة للشرائع، وهو صالح مصلح لكل زمان ومكان ولن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أمر أولها، والدور الحقيقى لهذا الشخص أو الجيل المجدد على رأس كل مائة سنة ليس هو الاختراع فى الدين أو الإضافة إليه والحذف منه وإنما هو حسن تنزيل القضايا والمناهج القرآنية والنبوية لعلاج المشكلات الواقعية الاجتماعية والسياسية والتربوية وهذا التجديد يتم من خلال منطومة الاجتهاد المتكامل الذى يقوم به العلماء أيضاً على ما سيأتى عند حديثنا عن العلماء ودورهم فى أوقات الأزمات. نرجع الآن إلى ما بدأنا به لنتساءل: هل من منهج ربانى نفهمه من الشرع الشريف نستطيع به أن نتعامل مع الفتن المتجددة المتلاحقة؟ وما خطوات تنفيذ هذا المنهج من أجل الخروج من هذه الأزمات؟ هذه الأسئلة هى موضوع حديثنا فى المقالات الثلاثة المقبلة إن شاء الله تعالى.