«سحر» تنتظر انتشال ابنتيها: «يارب يكونوا عايشين».. و«عيدروس»: إخواتى محدش عارف يطلعهم.. وشاهد عيان: فساد المحليات يزهق أرواح الأبرياء قضى أهالى مدينة منيا القمح ليلة عصيبة، مساء أمس الأول، إثر انهيار عقار مكون من 6 طوابق بسبب أعمال حفر لإنشاء برج سكنى، أدى لتصدع العقار المجاور وانهياره، وأسفر عن سقوط عدد من المصابين والقتلى، وتمكنت قوات الحماية المدنية من انتشال جثتين لشقيقين من تحت الأنقاض فيما أصيبت والدتهما وشقيقتهما، فضلاً عن إصابة طفل آخر، وتم نقلهم لمستشفى منيا القمح المركزى. انتشال 3 جثث و3 مصابين.. ومصادر: 9 سيدات ورجل ما زالوا تحت الأنقاض.. وتأخر أعمال الإنقاذ يشعل غضب الأهالى.. وشقيق الضحيتين يهاجم «زكى بدر» 18 ساعة متواصلة، احتشد خلالها الأهالى وذوو الضحايا أمام العقار المنهار يكسو الحزن وجوههم، وتتملكهم قلة الحيلة أمام المشهد، مكتفين بالتوسل إلى الله بالدعاء، لنجاة أكبر عدد ممكن من سكان العقار، بعد انتشال ضحيتين عقب الحادث بنحو ساعة، ووسط تحركات من قوات الإنقاذ وتدخل الأهالى للمساعدة كان الجميع فى انتظار الحكم النهائى للقدر، صاحب الكلمة وصاحب الأمر، وعلى الجميع الانتظار وسط صمت الترقب الذى خيّم على المكان لساعات طويلة. البداية تزامنت مع بدء تسلل الهدوء لشوارع المدينة، الذى قطعه صوت ارتطام ضخم استرعى انتباه الأهالى الذين هرعوا إلى مصدر الصوت فى شارع «جمعية المحافظة على القرآن الكريم» بمدينة منيا القمح، ليفاجأوا بفاجعة انهيار عقار مكون من 6 طوابق على رؤوس قاطنيه، وحينها لم يملك الأهالى سوى محاولة التواصل مع الجهات المعنية للتعامل مع الحادث وتداعياته، إلا أن تأخر وصول الأجهزة الأمنية لمكان الحادث، واستمرار الاستغاثات من تحت الأنقاض، أجبر الأهالى على التطوع ومحاولة انتشال الضحايا وإنقاذ المصابين وسط صعوبة بالغة بسبب تراكم الكتل الخرسانية والحجارة التى حالت دون نجاح محاولاتهم. طالبة بالمعهد الأزهرى المجاور للعقار: التصدعات ظهرت على الجدران.. والمسئولون ينتظرون كارثة.. والتحفظ على «مقاول الحفر» وصاحب الأرض.. والمحافظ: العقار به طابقان مخالفان غضب الأهالى جعلهم يتجاهلون زيارة أحمد زكى بدر، وزير التنمية المحلية، أمس، لموقع العقار المنهار لمتابعة آثار الحادث والإشراف على انتشال الضحايا ورغم تأكيده على محاسبة المسئولين عن الحادث ولن يتم السماح بأى تقصير أو تهاون، فإن تصريحه لم يجد اهتماماً من الوجوه العابثة، وعلى الفور قاطع حالة فتور المشهد الشاب أحمد محمد عبدالحميد عيدروس، طالب بكلية الصيدلة جامعة الزقازيق، شقيق ضحيتى العقار المنهار، وأحد الناجين، صارخاً فى وجه الوزير: «حرام عليكو مش عارفين تطلعوا أهلنا من تحت الأنقاض من امبارح المغرب لحد دلوقتى، إخواتى الاتنين تحت الأنقاض، مش عارفين هما عايشين ولا متوفين»، وحاول الأهالى تهدئة الشاب الغاضب فيما ردد الوزير أنه يجرى بذل كافة الجهود لانتشال الضحايا من تحت الأنقاض. وروى الشاب الناجى من الحادث قبل وقوعه بدقائق ل«الوطن» تفاصيل الواقعة قائلاً: «كنت جالساً أراجع المواد الدراسية وفجأة شعرت باهتزاز المنزل واعتقدت أنه زلزال فى بادئ الأمر ثم علمت أن عمالاً يقومون بأعمال الحفر تمهيداً لبناء برج سكنى بجوار عقارنا فتوجهت على الفور للمقاول وأخبرته باهتزاز المنزل وأنه عليه التوقف عن الحفر، إلا أنه لم يهتم أو يستمع فتدخل بعض الأهالى لإجبار المقاول على التوقف عن أعمال الحفر وأثناء السجال فوجئت بانهيار العقار فأصبت بغيبوبة واستعدت وعيى مرة أخرى بمساعدة الأهالى». وسط عدد من السيدات جلست سحر خيرى ملاك، من ساكنى العقار، فى حالة من الانهيار التام تنتظر انتشال جثتى ابنتيها، «آمال» طالبة بالصف الأول الثانوى و«أمنية» طالبة بالصف الخامس الابتدائى، تردد: «يا رب احميهم، يا رب احفظهم، يا رب يكونوا عايشين» وتشير الأم إلى أنها لم تكن موجودة بالمنزل وقت الحادث، حيث كانت تؤدى واجب العزاء فى أحد أقاربهم ثم تلقت اتصالات تليفونية بوقوع الحادث. وقال عبدالله أحمد، شاهد عيان: «كنت متوجهاً لأداء صلاة العشاء وفوجئت بانهيار العقار المجاور لموقع حفر لإنشاء برج سكنى، ورغم إبلاغ الأمن والجهات المعنية فإن المسئولين لم يصلوا لموقع الحادث إلا بعد فترة طويلة، وحينما وصلوا كان هناك تخبط فى إدارة الأزمة»، وأضافت منى حسن محمد، طالبة بالمعهد الثانوى الأزهرى بمدينة منيا القمح، أن المعهد الأزهرى مجاور للعقار المنهار، مشيرة إلى أن تصدعات فى الجدران ظهرت على حوائط المعهد منذ بداية أعمال الحفر، ولفتت إلى أن المعهد مهدد بالانهيار نظراً لتهالك المبنى الذى لم يحدث به أى ترميم منذ تشييده، محذرة المسئولين من وقوع كارثة جديدة. الشيخ مجدى عبدالله إمام، إمام وخطيب أوقاف العزيزية بمنيا القمح، أحد أقارب المصابين، أكد أن المنزل مكون من 6 طوابق ملك الدكتور مجدى عيدروس، أستاذ بطب الزقازيق، ويقطن بالمنزل أشقاؤه، «محمد» وكيل معهد أزهرى، والدكتور «ماهر» أستاذ بطب الزقازيق، و«ماجدة»، وكل منهم يقيم معه أفراد أسرته، بالإضافة إلى أسرتين أخريين تستأجران شقتين بالمنزل، وأضاف أن أقاربه يقطنون بالمنزل منذ نحو 35 عاماً، وقال إبراهيم عبدالرحمن، شاهد عيان إن تلك الفاجعة الكبرى تدل على فساد المحليات وانتشار الرشاوى والمحسوبية ووصل الأمر إلى تهديد حياة الأبرياء، لافتاً إلى أن نقص الإمكانيات لدى الجهات الأمنية والتنفيذية، عطَّل أعمال انتشال الضحايا، ما أدى لتفاقم الموقف واستغراق ما يزيد على 17 ساعة دون إنهاء الأزمة. كان اللواء حسن سيف، مدير أمن الشرقية، تلقى إخطاراً من العميد أحمد عبدالعزيز، رئيس مباحث المديرية، يفيد بتلقى مركز شرطة منيا القمح، بلاغاً بانهيار عقار مكون من عدة طوابق، كائن بشارع «جمعية المحافظة على القرآن الكريم»، خلف البنك الأهلى بمدينة منيا القمح، انتقلت قوة من القيادات الشرطية والحماية المدينة وفرق الإنقاذ بإشراف العميد أحمد الشوادفى مدير الحماية المدنية لاستخراج المصابين والضحايا ورفع آثار الحادث، كما تم الدفع ب15 سيارة إسعاف، وانتقل مدير الأمن يرافقه اللواء خالد سعيد، محافظ الشرقية لمكان الواقعة، لمتابعة آثار الحادث. كما انتقل الدكتور شريف مكين، وكيل وزارة الصحة، لمستشفى منيا القمح المركزى للإشراف على علاج المصابين، وأكد أنه تم انتشال جثتى رحمة محمد عيدروس، 15 عاماً، متوفاة، وشقيقتها «هاجر» 8 سنوات متوفاة، كما أصيبت شقيقتهما «تقى» 14 عاماً، باشتباه ما بعد الارتجاج، ووالدتهن ماجدة عبدالحميد عيدروس، 32 عاماً، مصابة بجروح قطعية، كما أصيب محمود ماهر عبدالحميد، 8 سنوات، بجروح وسحجات بالقدم اليمنى. وتبين من التحريات الأولية أن السبب وراء انهيار العقار، أعمال حفر لإنشاء برج سكنى بجوار العقار المنهار، وأفادت التحريات أن العقار مكون من 6 طوابق ويقطنه أفراد عائلة واحدة، وأضاف أنه يوجد نحو 10 أشخاص أسفل الأنقاض، 9 سيدات ورجل. فيما باشرت نيابة منيا القمح بإشراف المستشار أحمد الفقى، المحامى العام لنيابات جنوبالشرقية، التحقيق فى الواقعة، وانتقل فريق من النيابة لمعاينة مكان الواقعة وأمر بتشكيل لجنة هندسية لفحص العقار المنهار، وعما إذا كان به طوابق مخالفة أو مخالفات إنشائية، وكذلك فحص أعمال حفر بناء البرج السكنى المجاور للعقار، وبيان ما إذا كانت تلك الأعمال السبب فى الانهيار من عدمه، كما قررت دفن جثامين المتوفين والاستماع لأقوال المصابين واستدعاء موظفى الإدارة الهندسية بمجلس مدينة منيا القمح للاستماع لأقوالهم حول الحادث. من جانبه قال اللواء خالد سعيد، محافظ الشرقية، إن العقار المنهار بمدينة منيا القمح تم تعلية الدورين الخامس والسادس به بالمخالفة، كما أن العقار الكائن بجواره الذى تم إخلاؤه تحسباً لانهياره به طابقان مخالفان أيضاً، ومضى قائلاً: «المنطقة تضم العديد من العقارات المخالفة وسيتم عمل مراجعات كاملة للمبانى المخالفة على مستوى المحافظة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيالها». وأضاف أنه تم التحفظ على المقاول، المسند له أعمال إقامة برج سكنى بجوار العقار المنهار، كما تم التحفظ على صاحب قطعة الأرض، لافتاً إلى أنه سيتم التحفظ على المهندس الاستشارى المسند له عملية إنشاء البرج، وذلك عقب اتهامات بأن أعمال الحفر لإنشاء البرج السبب وراء انهيار العقار المنهار، فيما أكد اللواء يعقوب إمام، سكرتير عام المحافظة، أنه تم تشكيل لجان هندسية واستشارية لمعاينة العقارات المجاورة للعقار المنهار والتأكد من سلامتها، مشدداً على التصدى بكل حزم لأى موظف فى المحليات يثبت تورطه فى الفساد.