لا أعرف لماذا تذكرت ملك بوتان السابق «جيجمه سينجى»، على هامش الاحتفالات ببدء العام الجديد، لقد كرّس هذا الملك نفسه لمحاولة إسعاد شعبه الصغير البالغ عدده نحو 700 ألف نسمة، الذى يعيش فى جبال الهيملايا بين الهند والصين، عبر آليات تحقيق المساواة، وصولاً إلى إدراك «السعادة الوطنية الإجمالية»، لا يبدو أن الملك نجح فى ذلك، وقد تخلى عن الحكم فى 2006 لنجله، وبعدها جاء رئيس الحكومة ليؤكد أن ثمة مبالغة فى الاعتماد على مؤشر «ناتج السعادة الوطنية الإجمالية»، الذى اقترحه الملك السابق، خصوصاً بعد تفاقم معدلات البطالة ونزوح المواطنين من الريف إلى المدينة. لقد تذكرت ملك بوتان السابق حين راودنى سؤال غريب لم أعرف له إجابة، السؤال يقول: إذا كان هذا هو قدر السعادة البادى على وجوه المصريين، وفى تصرفاتهم، عشية انطلاق العام الجديد، فلماذا يخبرنا المجال العام، والإعلام، والشكاوى الملحة بأننا نعيش أوقاتاً رديئة، وأن التعاسة تكاد تخنقنا وتحاصرنا من كل جانب؟ لقد اهتم باحثون عديدون بمفهوم السعادة، وسعى بعضهم لمحاولة قياسه مقارنة بالنمو والثراء، كان الاقتصادى الشهير «روبرت إيسترلين» قد نشر ورقة بعنوان «هل يحسن النمو الاقتصادى مصير البشر؟ بعض الأدلة التجريبية»، فى العام 1974، وبعد أن قارن بين نصيب الفرد من الدخل ومستويات السعادة المعلنة فى عدد من البلدان، توصل إلى استنتاج مذهل؛ وهو: ربما لا، لقد وجد «إيسترلين» أنه عند مستوى أعلى بقليل من الدخل المنخفض (يكفى لإشباع الاحتياجات الأساسية)، فإنه لا توجد علاقة بين السعادة ونصيب الفرد من الناتج الوطنى الإجمالى، أى بعبارة أخرى فإن الناتج الوطنى الإجمالى هو مقياس خاطئ للرضا عن الحياة، ومما يدعم هذا الطرح أن نسب الانتحار تتزايد فى بلدان تعرف أكثر معدلات التنمية الاقتصادية وأكبر معدلات الدخل الفردى، كما تشيع أنماط الاضطراب النفسى بين الطبقات الأكثر ثراء فى بعض المجتمعات. وحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، فإن فنلندا وألمانيا وسويسرا والدنمارك تتفوق على موريشيوس وزيمبابوى والفيلبين وأذربيجان فى ارتفاع معدلات الانتحار، يدفعنا هذا إلى تذكر بعض الأفلام القديمة؛ مثل: «لو كنت غنى»، و«المليونير»، و«سفير جهنم»، و«الفانوس السحرى» وغيرها، هى أفلام ظريفة ومسلية حقاً، لكن لسنوات طويلة سابقة لم أكن أستطيع أن أمنع نفسى من انتقادها ولوم القائمين على إنتاجها، بل واتهامهم بلعب «أدوار تخديرية» لجمهور هذا الزمان. ليست تلك دعاية لسينما الأربعينات بالطبع، لكنها محاولة للتذكير بأن السعادة ليست مرتبطة بمستوى اقتصادى معين، ولا معدل نمو، ولا تزدهر كذلك بالضرورة فى كل مجتمع استطاع أن يحل كل مشاكله، لقد سعى علماء وباحثون إلى تطوير مؤشرات لقياس السعادة، معتمدين على تركيبة من بعض العناصر، مثل: الكفاية، والصحة، والترفيه، والمنافسة، وسهولة الحياة، وجودتها. هل لاحظت هذا العدد الكبير من التهانى التى وردت إليك عبر الوسائط المتعددة؟ وهل لفت نظرك كيف تفنن الآخرون فى إيجاد طريقة مبدعة للتعبير عن الفرح والتفاؤل والتواصل معك؟ لا يمكن للمصريين أن ينافسوا فى قائمة الدول التى يشعر مواطنوها بالسعادة إذا كانت المؤشرات المعتمدة تتعلق بجودة الحياة، وسهولتها، والكفاية، والصحة، والترفيه، ومع ذلك فإنهم قادرون على المنافسة بقوة، إذا كانت تلك المؤشرات تتضمن عناصر مثل الصلابة، والإيمان، والرضا، وفى كل الأحوال ستظل قدرة المصريين على تحمل الصعاب، ومواجهة الشكوك العميقة، والاحتفال والفرح فى الوقت ذاته، مسألة محيرة لكثيرين.