تباينت آراء القضاة حول النص الوارد فى الدستور الجديد الخاص بإنشاء المفوضية الوطنية للانتخابات التى ستتولى إدارة الاستفتاءات والانتخابات وإلغاء الإشراف القضائى بعد 10 سنوات من إقرار الدستور الجديد. وبينما رحب قضاة بالمواد الخاصة بالمفوضية واعتبروها بداية عودة الثقة بين أفراد الشعب، رفض قضاة آخرون المواد نفسها، مؤكدين أنها تؤكد نية التلاعب فى إرادة الناخبين واهتزاز الثقة فى نزاهة الانتخابات، فضلا عن أنها إبعاد للقضاة عن الواجب الوطنى فى الإشراف على الانتخابات. ورفض إسلام إحسان، المستشار بهيئة النيابة الإدارية، الإبقاء على الإشراف القضائى على الانتخابات لمدة عشر سنوات فقط، مؤكدا أن الإشراف القضائى ضرورة استوجبتها طبيعة الانتخابات فى مصر وما يصاحبها من مظاهر يغلب عليها العصبية والعنف، وعدم ثقة الشعب فى الإشراف الإدارى للحكومة، وهو معتقد توارثه الشعب المصرى بسبب ما شهده من تلاعب وتزوير فى جميع الانتخابات التى أجريت فى تاريخ مصر منذ نشأة الحياة البرلمانية، سواء فى العهد الملكى أو بعد ثورة 23 يوليو، مشيراً إلى أن ثقة المواطن عادت بعد حكم المحكمة الدستورية بضرورة الإشراف القضائى الكامل على الانتخابات عام 2000، الأمر الذى جعل المواطنين يشاركون فى الانتخابات، وشهدت الانتخابات البرلمانية فى 2005 صعود المعارضة بسبب الإشراف القضائى الكامل على الانتخابات. وأكد «إحسان» أن الدستور أغفل وضع ضوابط اختيار من سيتولون الإشراف على الانتخابات بدلا من أعضاء الهيئات القضائية بعد 10 سنوات، وهو ما يثير مخاوف عديدة بشأن علاقتهم الحقيقية بالحكومة ومدى استقلالهم فعليا عنها، ما سينعكس بالسلب أيضاً على ثقة المواطنين فى حيدة المشرفين على الانتخابات من غير أعضاء الهيئات القضائية. وأضاف أنه كان يجب الإبقاء على نظام الإشراف القضائى الكامل، دون تحديد استمراره بمدة زمنية، حتى لا يفقد الشعب ثقته مرة أخرى فى الانتخابات، ويعود إلى مقاطعتها، فضلا عن الأسباب الاجتماعية والسياسية والثقافية التى دعت لوجود الإشراف القضائى فى الماضى، فلا يتصور أن تتغير القيم الاجتماعية خلال ال10 سنوات التى حددها الدستور، إذ إن التغييرات الاجتماعية الجذرية تحتاج لسنوات طويلة حتى تترسخ قيم الإيمان الحقيقى بالديمقراطية والنزاهة والشفافية. وقال خالد أبوهاشم، المستشار بمحكمة استئناف الإسكندرية، إن النص على إنشاء مفوضية عليا تتولى الإشراف على الاستفتاءات والانتخابات فكرة جيدة، لكن صياغة النص سيئة ورديئة، وأوضح أن تشكيل المفوضية وتحديد مدة الإبقاء على الإشراف القضائى بعد إقرار الدستور ب10 سنوات فقط أمر معيب ولا يجوز وضعه فى الدستور، فالدساتير لا يجوز فيها التأقيت، وهذا يدل على أن الدستور «مسلوق». وأكد «أبوهاشم» أن اختيار أعضاء المفوضية بالنص الوارد فى مسودة الدستور، سيخلق مشكلة داخل محاكم الاستئناف، التى يبلغ عددها 8 محاكم، مشيراً إلى أن الشعب المصرى لن يقبل إلغاء الإشراف القضائى على الانتخابات بعد 10 سنوات من عمل المفوضية، مؤكدا أن القضاة سيرفضون الإشراف على الاستفتاء على الدستور. وفى المقابل، رحب المستشار رفعت السيد، رئيس محكمة جنايات القاهرة السابق، بإنشاء المفوضية الوطنية للانتخابات التى تضمنها الدستور الجديد، مؤكدا أن القضاة ليس مهمتهم الإشراف على الانتخابات وبخاصة اللجان الفرعية، لأن هذا يؤدى إلى انشغالهم عن عملهم الأصلى، فضلا عن أنها مهمة يستطيع غيرهم أن يؤديها بشكل أفضل وبذات الكفاءة، لكن نظرا لثقة الشعب المصرى فى القضاة وقدرتهم على مواجهة تغول السلطة التنفيذية، متمثلة فى جهاز الشرطة السابق خاصة «أمن الدولة» وضغوطه على موظفى الحكم المحلى لتزييف إرادة الناخبين وتسويد البطاقات الانتخابية، جعلهم يتمسكون سابقا بالإشراف القضائى. وأشار «السيد» إلى أنه بعد ثورة 25 يناير وتغيير عقيدة الأمن كان لا بد من إنشاء هيئة مستقلة دائمة، مهمتها الإشراف على جميع الانتخابات والاستفتاءات وأن يكون لها قيادتها المستمرة والعاملون فيها، مؤكدا أنها تجربة ناجحة للغاية فى الهند والولايات المتحدةالأمريكية، وطالب بتشكيل الهيئة من رجال القضاء وأساتذة الجامعات وضباط الشرطة والقوات المسلحة، وقيادات الدولة، المشهود لهم بالكفاءة، على أن يكونوا جميعا قد بلغوا سن التقاعد، للاستفادة منهم فى هذه الهيئة الجديدة التى ستجعل انتخابات مصر كالتى تجرى فى الدول الديمقراطية.