تقف مصر اليوم أمام جريمة متكاملة الأركان يرتكبها رئيس منتخب وجماعة ظلامية وطائفة مبررى الاستبداد. تقف مصر اليوم أمام اختيار حاسم بين الاستسلام للظلامية وللاستبداد، وبين مقاومتهما وردهما عن دولة نريدها ديمقراطية ومجتمع نريده عصرياً وعادلاً. تتمثل جريمة الرئيس المنتخب فى انقلابه على الشرعية الديمقراطية، التى تلزمه بأن يكون رئيساً لكل المصريات والمصريين وليس لجماعته وحدها. لانقلاب محمد مرسى على الشرعية ملامح واضحة، من تناسى وعده إبان الانتخابات الرئاسية بإعادة تشكيل تأسيسية الدستور، ثم تمكين جماعته تدريجياً من السيطرة على مفاصل الدولة، إلى إعلان الاستبداد الرئاسى فى 22 نوفمبر ودفع مشروع دستور غير توافقى للاستفتاء الشعبى. لانقلاب محمد مرسى على الشرعية الديمقراطية التى اكتسبها عبر صندوق الانتخابات تداعيات كارثية، فمصر تعانى من انقسام مجتمعى واستقطاب سياسى قد يرتبان حالة من الشلل التام وقابلية للعنف غير مسبوقة. لانقلاب محمد مرسى على الشرعية نتائج خطيرة بشأن وضع مصر الدولى، فالحديث الدائر الآن عالمياً هو عن «ديكتاتور النيل الجديد»، عن رئيس منتخب يتحول بسرعة إلى مستبد يحكم باسم جماعة واحدة ولمصلحتها، تماماً كبعض المستبدين فى دول يقاطعها العالم كروسيا البيضاء (الديكتاتور لويكاشنكو) وبورما (التى تحكمها عصابة من العسكر وتكاد تبدأ بعض الانفتاح السياسى الآن). أما جريمة جماعة الإخوان، وبعيداً عن غوغائيتها هى وحلفائها المتصاعدة، فهى اختطاف مصر واحتكارها لصالحها وبناء ديكتاتورية جديدة بعد ثورة ديمقراطية مبهرة. تستعدى الجماعة، التى ساومت منذ اللحظة الأولى على أهداف ثورة يناير وبحثت دوماً وما زالت عن توافقات مع العسكر، وتتحالف اليوم مع القوى الفاعلة فى نظام مبارك، كافة قطاعات الشعب المصرى خارج مساحتها ومساحات أحزاب الإسلام السياسى الأخرى. تحولت مؤسسات الدولة إلى مرتع للإخوان، وصارت تأسيسية الدستور ملعباً ينفردون به مع حلفائهم، وأصبح مشروع الدستور الباطل الذى يعصف بالحقوق والحريات وثيقة فصلت لخدمة مصالحهم وإقصاء معارضيهم. تختطف جماعة الإخوان الظلامية مصر بكل الوسائل والأدوات غير المشروعة فى الجوهر، حتى وإن اكتسبت شكلاً ديمقراطياً زائفاً. ثم تأتى جريمة الطائفة الأكثر قدماً فى الحياة السياسية المصرية، طائفة مبررى الاستبداد وصناع الديكتاتور. جريمة هذه الطائفة اليوم، وأعضائها من غير المنتمين للإسلام السياسى يتوزعون بين الجمعية التأسيسية والهيئة الاستشارية لرئيس الجمهورية وأحزاب تدعى الوسطية، هى الترويج للاستبداد الرئاسى ولاختطاف مصر من قبل الإخوان، عبر محاولة إضفاء شرعية توافق وطنى زائف عليهما. هؤلاء، الذين شاركوا فى المشهد العبثى لجلسة التأسيسية الأخيرة وأدموا أياديهم تصفيقاً لرئيسهم فى مركز المؤتمرات وهو يحنث بوعده بعدم عرض دستور غير توافقى للاستفتاء الشعبى، سيحاسبهم المجتمع والتاريخ ولن يتمكنوا مهما حاولوا (بعد فترات قصرت أم طالت) بتقلباتهم المعهودة، من تغيير نظرة الرأى العام لهم كمروجى بضاعة الإخوان الفاسدة. وفى المجتمعات البشرية وتواريخها المختلفة كثيراً ما حوسب مروجو الاستبداد بذات الكيفية التى حوسب بها المستبدون أنفسهم. إلى المصريات والمصريين، إلى من يبحثون عن ديمقراطية ولم يزيف وعيهم بعد لقبول ديكتاتورية جديدة، لا تستسلموا لجريمة الرئيس وجماعته ومبررى الاستبداد.