سيدى يا رسول الله.. فى يوم مولدك نبدؤك بالتحية والسلام، تحية تحمل حب قلوب أحبتك دون أن تراك، وتمتعت بالتجول فى سيرتك دون أن تعيش زمانك، تعلمت الشجاعة من شجاعتك، والرحمة من رحمتك والعفو من عفوك، والأبوة من أبوتك، وحسن عشرة الزوجات من تجربتك الزوجية الفريدة، والوفاء للصديق من نبع وفائك، وتحمل اليتم من تحملك لليتم؛ فقد قدر عليك ربك أن تكون يتيماً حتى تقول «ربى ربى» لا كما يقول كل الأطفال «أبى أبى»، وليؤدبك الله تأديباً أعظم من تأديب الآباء والأمهات. آه يا سيدى يا رسول الله.. ما أشد الشوق إلى لقائك، وما أشد التقصير فى حقك، وما أشد الغفلة عن رسالتك، وما أشد اهتمام أمتك بالظاهر دون الباطن وبالمظهر دون الجوهر. يا سيدى يا رسول الله.. لم تكن قائداً عظيماً فحسب ولكنك ربيت مجموعة من القادة العظام فى كل المجالات فهذا خالد بن الوليد وسعد بن أبى وقاص فى العسكرية، وأبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبى سفيان فى السياسة.. وهذا عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر وعبدالله بن عمرو بن العاص ومعاذ بن جبل فى العلم.. أما أبوهريرة وأبوذر وأبوالدرداء ففى الزهد والورع، وأما عبدالرحمن بن عوف وعثمان بن عفان ففى التجارة الحلال والكرم والجود والسخاء.. وهذا على بن أبى طالب وحمزة بن عبدالمطلب فى الشجاعة والبأس.. وسعد بن معاذ وسعد بن عبادة وزيد بن حارثة وأسامة بن زيد فى الوفاء والولاء.. لقد كوّنت يا سيدى حديقة رائعة من الزهور والورود المتباينة فى شكلها ولونها ورائحتها، والمتكاملة غير المتضادة المتباغضة، وكل وردة من هذه الورود عطرت الدنيا بأسرها وزينتها وهدتها وأصلحتها. يا سيدى يا رسول الله.. كنت رائداً فى مدرسة الصبر واليقين، تلك المدرسة التى خرّجت المئات من أصحابك الصابرين على البلاء الثابتين فى الممات.. خرجت من مدرسة الصبر العظيمة التى دشنتها صهيب الرومى الذى نال وسام «ربح البيع يا صهيب» بعد أن ضحى بكل أمواله، وآل ياسر الذين نالوا وسام «صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة» حينما صبروا وتحملوا، وأنس بن النضر الذى صبر على تمزيق جسده على أيدى المشركين فى قريش فنال وسام «لو أقسم على الله لأبره»، وتخرج فيها بلال بن رباح الذى نال وسام «بلال سيدنا»؛ لصبره على مر العذاب على أيدى أمية بن خلف، وتخرج فيها عمر بن الخطاب الذى صبر على مر الحق والعدل السياسى والاجتماعى ومحاسبة نفسه وعماله وأسرته فنال وسام «الفاروق» الذى يفرق بين الحق والباطل والعدل والظلم. لقد استطعت يا سيدى أن تجمع فى مجلسك العامر بين عمر بن الخطاب بشدته وحزمه وأحياناً سرعة اتخاذ الأحكام والقرارات أو العجلة فيها مع أبى بكر الصديق الرفيق الوديع الهادئ الذى يزن الأمور بميزان الذهب ولا يعجل. يا سيدى يا رسول الله.. لقد أبهرت العالم حينما استطعت بدعوتك الحكيمة أن تقتنص فلذات أكباد خصومك وتأخذ منهم أفضل الكفاءات لديهم وتضمهم إلى صفك الطاهر ومنهم أبرع القادة العسكريين الذين كانوا يحاربونك من قبل. كيف استطعت يا سيدى برفقك وصالح دعوتك أن تدخل إلى قلب خالد بن الوليد القائد العسكرى صاحب البأس الشديد وتجعله يحب الإسلام بعد أن كان حرباً عليك؟ وكيف نفذت إلى عقل داهية العرب عسكرياً وسياسياً عمرو بن العاص وأقنعته بالدخول فى الإسلام؟ كيف استطعت أن تنزع عكرمة من براثن الشرك ووالده كان سيداً لمعسكر الشرك، وكيف استطعت أن تجذب معاوية وأباه وشقيقه ووالدته بعد طول عداوة وتجعلهم من قادة الإسلام؟ كيف استطعت أن تجعل سعد بن معاذ وسعد بن عبادة قادة الأوس والخزرج فى صف الإسلام وبدخولهما مع أسيد بن حضير دخلت كل قبائل المدينة الإسلام؟ لقد جمعت الناس إليك وكسبت الخصوم، ونشرت الحب فى أمة جافة غليظة قد يُدّلل فيها المرء عبده فيسميه بأجمل الأسماء ولا يقول كلمة حب وود لأصدقائه أو لأبنائه الذين يسميهم بأسماء مثل «حرب وكلب ومرة» ليخوف أعداءه بهم.. لقد جاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) ليكون أول من يقول للرجل الذى أحب أخاً له فى الله: هلا أخبرته. ثم جعله يخبره بمشاعره النبيلة. يا سيدى يا رسول الله.. لقد نشرت كل المعانى النبيلة بين الناس. يا سيدى.. طبت حياً وميتاً.