«ليلة فى حضرة رموز السياسة، البرادعى، وصباحى.. وغيرهما» هكذا ظن العشرات من المعتصمين فور إعلان جبهة الإنقاذ أن رموزها سينضمون إلى الاعتصام، جهز بعضهم كلماته التى سيلقيها عليهم، وبعضهم فكر فى شد خيمة رئيسية كبيرة لهم، والبعض بدأ فى تجهيزات استقبالهم، تجاوزت الساعة الرابعة ولم يصل أحدهم، وفى الساعة الخامسة حضر إلى الميدان حمدين صباحى، وخالد على، المرشحان الخاسران فى انتخابات الرئاسة الأخيرة، ثم انصرفا بعد أقل من ساعة. عبدالعزيز شرباص، وشهرته «الخباز الفصيح»، رأى وجود رموز وقادة سياسيين فى الميدان على وجهين «أولهما إيجابى لأنه سيمنح هؤلاء الشباب إحساساً إيجابياً بمشاركتهم الاعتصام، وثانيهما سلبى لعدم وجود خطة عمل، وبحث سبل التصعيد، لكن طالما أصدرت جبهة الإنقاذ الوطنى بياناً أظهرت فيه سبل التصعيد فإن انضمام الرموز إلى الميدان أظنه سيكون له رد فعل واضح وإيجابى». تعليقاً على دعوة جبهة الإنقاذ الوطنى إلى عصيان مدنى أو إضراب عام، قال شرباص «العصيان المدنى لا يقع بقرار، وإنما هو حالة يصل إليها المواطنون عفويةً منهم، ولكن يمكن أن نبدأها خطوة خطوة، وندعو العمال للإضراب الجزئى الذى تتسع دائرته واحدة واحدة، ولابد فى ذلك الوقت أن يكون لدينا صلة طيبة ووثيقة بقادة العمال فى مجالات الأسمنت والحديد، والغزل، والموانئ، والصرف، والكهرباء، والمياه، وموظفين فى المؤسسات الحرجة للدولة». لم يستمع ياسين العرابى، أحد المعتصمين فى خيام الصينية بمنتصف الميدان، إلى بيان الجبهة الذى ألقاه الإعلامى حسين عبدالغنى من المنصة الموجودة قرب تمثال عمر مكرم، أخبره أحدهم أن البرادعى أو حمدين صباحى ربما يقضيان الليلة مع المعتصمين «قرار جيد جداً، أخيراً بدأت تلك النخب السياسية التفاعل والتلاحم مع الناس فى الميادين، وأظن أن البرادعى لو اعتصم الليلة معنا فسيكون ذلك إنجازاً من إنجازات الدكتور محمد مرسى». لياسين العرابى رأيه فى الإضراب انتظر الرموز الذين أعلنوا الانضمام إلى الميدان ليلاً للاعتصام فيه انتظرهم لإبلاغهم برأيه أن «الإضراب العام ما هو إلا انتحار اقتصادى يضر بأكثر ما ينفع، واستخدامه وسيلة للضغط والتصعيد فى ظل قلة الوعى لدى عموم الناس، الذى كان سبباً فى إفشال إضراب فبراير، سيضعف موقف الاعتصام، وسيباعد ما بين المعتصمين، والمتعاطفين معهم من الناس» لكن الفرصة لم تسنح للعرابى لتوصيل وجهة نظره؛ إذ لم يحضر أحد من رموز الجبهة للاعتصام كما قيل، وإنما زيارات قام بها بعضهم فى أوقات متباعدة من الليل. على أنغام العود، التف البعض محتمين بالخيام الناهضة، وبجمال اللحن من هبّات البرد، أغنيات للشيخ إمام «يا مصر قومى وشدى الحيل».. ولا مانع فى أوقات السمر من قليل من المزاح، أو إطلاق الإفيهات على كل شىء فى البلد وله علاقة بالاعتصام، «الجمعية عملت الدستور نى أو نص سوا..»، «مرسى عمل اللى مبارك مقدرش يعمله.. خلى البرادعى يعتصم». فى وقت متأخر من الليل، وقبيل الفجر بأقل من نصف ساعة، وصل من جبهة الإنقاذ الوطنى، ومن الرموز السياسية المعروفة إعلامياً حمدين صباحى، والمحامى خالد على، المرشحان الخاسران فى انتخابات الرئاسة الأخيرة، توزعت الأدوار فيما بين صباحى وخالد على، الأول فضل التنقل بين الخيام، يحث المعتصمين على الثبات، ويؤكد أنه ومن هم معه بالجبهة معتصمون معهم، ومساندون لهم، ويحشدهم بجمل مقتضبة «إيه الأحوال؟.. شدوا الحيل.. استعدوا للعصيان المدنى.. استعدوا للإضراب.. إحنا معتصمين معاكم من النهاردة.. استعدوا للزحف إلى الاتحادية». لم يدم وجود حمدين صباحى فى الميدان كثيراً، التف حوله العشرات من المؤيدين ابتهاجاً لقدومه، كان الميدان وقتها قبل الفجر بنصف ساعة قد فقد كثيراً من زخمه وخلا إلا من المعتصمين المعدودين بالمئات، مع صلاة الفجر توجه صباحى إلى الصفوف الأولى بمسجد عمر مكرم لمشاركة المعتصمين أداء الفريضة، وبعدها انصرف عن الميدان فى عجالة. وفضّل خالد على البقاء بخيمة حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، لوقت قصير وانصرف بعد ساعة أو أقل عن الميدان. فى منتصف الليل، وبعد إعلان بيان جبهة الإنقاذ الوطنى على الإعلام، حضر إلى الميدان عضو الجبهة الدكتور محمد أبوالغار، رئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، وبعد دقائق معدودة انصرف عن الميدان، بعدما التف حوله بعض أنصاره. ومن الميدان إلى محيطه، وتحديداً فى شارع التحرير، لم تكف «ميكروفونات» الحزب الناصرى عن إعلان أغنيات عن ثورة يوليو، أغنيات تتغنى بالثورة وزعيمها الراحل الرئيس جمال عبدالناصر، بيئة ثورية مناسبة لتناول وجبة العشاء البسيطة التى اشتراها بعض المعتصمين يقول محمد عطوة، أحد المعتصمين بالميدان، «أيام الاعتصام هى الأجمل، والموسيقى هى أكثر ما يمنحنا الإحساس بأن الثورة حية فينا». فى المساء نظمت المنصة الموجودة فى الميدان حفلاً غنائياً شارك فيه الفنان على الحجار، بأغنيات للشهداء، وأغنية «ضحكة المساجين»، وشارك فى الحفل أيضاً فرقة «إسكندريلا» التى أدت أدوار للشيخ إمام، وأغنيات من تأليف أحمد فؤاد حداد، تفاعل مع الأغنيات الآلاف من المتظاهرين، فى حين تكتل العشرات على أطراف الميدان فى المساء مرددين هتافات من بينها ما دفع المتظاهرين للاعتراض لاحتوائه على ألفاظ خارجة تخدش الحياء العام.