على بعد أمتار قليلة من قِبلة الثوار، وعلى مقربة من المكان الذى تفوح منه روائح الغازات المسيلة للدموع، جلس أعضاء الجمعية التأسيسية للتصويت على مواد مسودة الدستور، كتحدٍّ واضح للانسحابات المتتالية التى شهدتها، وللمظاهرات الحاشدة التى تجوب المحافظات المختلفة للاعتراض عليها. «سنبدأ الآن، وسننتهى اليوم إن شاء الله»، قالها المستشار حسام الغريانى، رئيس الجمعية التأسيسية فى الكلمة الافتتاحية التى ألقاها أمام الأعضاء، الذين جاءوا ليصوتوا على المواد حتى الثانية صباحاً، بعد شعورهم أن الجمعية على حافة الهاوية. الخوف من حل «التأسيسية» المنوطة بكتابة دستور مصر، يتمثل فى صدور حكم بحلها، من قِبل المحكمة الدستورية العليا الشهر الحالى، مما دفع العديد من أعضائها للحرص على الانتهاء سريعاً من كتابة المسودة والتصويت عليها، وفقاً لرأى الكاتبة سكينة فؤاد، المستشار السابق لرئيس الجمهورية، التى ترى أن المشهد ملتبس، والتداخل بين السلطات على أشده، كما أن تحصين الجمعية لن ينجح فى كبح جماح الشارع المصرى فى حالة صدور الحكم بحلها «سيادة القانون أمر لا فصال فيه، وإذا حلت المحكمة الدستورية العليا اللجنة التأسيسية، ستحدث أزمة كبيرة، ويجب عرض المسودة التى انتهى منها أعضاء التأسيسية على لجنة مختصة من الفقهاء الدستوريين المستقلين، للبت فيها». الإخوان وحزب النور أعلنا منذ عام ونصف العام أنهما مع الإعلان الدستورى، لإتمام الانتخابات أولاً، ولعدم الاستعجال فى كتابة الدستور، وهو ما يتنافى مع موقف أعضاء الجماعة المشاركين فى «التأسيسية» الآن، فى رأى الدكتور رأفت فودة، رئيس قسم القانون الدستورى بجامعة القاهرة، فهو يرى أن «التأسيسية» لم تعبر عن آراء كل الطبقات والأطياف، إنما «قدمت خدمات جليلة لنفسها فقط»، فإصدار مسودة لم يشارك فى وضعها الشعب المصرى أمر يدعو للأسف. «اذا أرادت الجمعية التأسيسية هذه المسودة، فلا داعى للاستفتاء عليها، لأن موافقتها أبلغ من مهزلة الاستفتاء»، قالها «فودة»، موضحاً أن عزوف القضاة عن الإشراف على عملية التصويت، وعدم مشاركة جميع طوائف الشعب فى وضع الدستور، سيجعلان الموقف مأساوياً «سيحدث صراع بين الناس اللى هتخضع للدستور والناس اللى هتتنصل منه ومصر بريئة من هذا العبث».