رداءة شديدة يتسم بها خطاب الدكتور مرسى وجماعته وحزبه المبرر لإعلان الاستبداد الرئاسى، فمن جهة أولى، يدفع الإخوان بحماية الثورة وتحقيق أهدافها لتبرير الصلاحيات الرئاسية المطلقة ولتمرير إلغاء استقلال السلطة القضائية بالاستتباع وبغل يدها عن ممارسة الرقابة على القوانين والقرارات والإجراءات التى يصدرها أو يتخذها الرئيس. يستند الإخوان هنا إلى المادة الأولى فى إعلان الاستبداد الرئاسى التى تقضى بإعادة التحقيقات والمحاكمات فى جرائم قتل وإصابة المصريات والمصريين من قِبل النظام السابق، ويعتبرونها ترجمة مباشرة للثورة وأهدافها. وواقع الأمر أن المطالبة الشعبية والسياسية بإعادة التحقيقات ومن ثم المحاكمات (حال توفر أدلة جديدة) لم تقتصر قط على جرائم النظام السابق، بل دوماً ما امتدت إلى كل جرائم القتل والإصابة وانتهاك حقوق الإنسان التى ارتكبت بين 11 فبراير 2011 وبين اضطلاع رئيس الجمهورية المنتخب بمهام منصبه فى 30 يونيو 2012 (بل وأضحت اليوم تمتد إلى الانتهاكات التى ترتكب فى محمد محمود 2)، كذلك لم تذهب الكثير من القوى والأحزاب والأصوات المنادية بإعادة التحقيقات والمحاكمات باتجاه المطالبة بنيابة ثورة ودوائر خاصة يشكلها وزير العدل (المسئول التنفيذى عن القضاء وليس الممثل الأعلى للسلطة القضائية، فهذه المهمة منوطة بمجلس القضاء الأعلى) كما ينص الآن القانون المسمى «حماية الثورة»، بل ركزت وما زالت على تشكيل هيئة للعدالة الانتقالية تتولى جمع الأدلة وإعادة التحقيقات والمحاكمات وفقاً لإجراءات قانونية عادلة ومنضبطة. وبعيداً عن تجاهل الجرائم بعد إسقاط مبارك وغياب هيئة العدالة الانتقالية، لم يكن رئيس الجمهورية فى حاجة لإعلان «دستورى» لإعادة التحقيقات والمحاكمات، فقانون يصدره باختصاصه التشريعى كان سيفى بالغرض، إلا أنه الاتجار بالثورة وأهدافها لتبرير وتمرير بناء للاستبداد وإلغاء لسلطات الدولة وجعل الرئيس صاحب الإرادة الوحيدة. من جهة ثانية، يزعم الدكتور مرسى ومن حوله أن الهدف من إعلان الاستبداد الرئاسى هو تحقيق الاستقرار لمصر بتحصين (طبعاً) الرئيس (الملهم) وتحصين مجلس الشورى والجمعية التأسيسية (المسيطر عليهما من قبل جماعته وحزبه) وعدم السماح لأحكام مسيسة من قِبل القضاء بهدم السلطة والمؤسسات. مثل هذا الزعم مردود عليه بالإشارة إلى أن تحصين جهات تنفيذية وتشريعية منتخبة وغلّ يد القضاء عن ممارسة الرقابة عليها هو الذى يرتب هدم السلطة والمؤسسات فى مصر بتجريد الرئيس و«الشورى» و«التأسيسية» من الشرعية المستندة إلى سيادة القانون، يرد عليه أيضاً بالتأكيد على أن تغوّل الرئيس على السلطة القضائية وكذلك تحصين الرئيس بحيث لا يمكن مراقبته ومن ثم محاسبته هما الأدوات الحقيقية لتسييس القضاء واستتباعه لإرادة الرئيس المتحول إلى مستبد (عدالة الديكتاتور). يرد عليه بحقيقة ظاهرة اليوم لنا جميعاً وهى أن إعلان الاستبداد الرئاسى لم يسبب إلا حالة مجتمعية وسياسية حادة من الاستقطاب والانقسام، وليس فى هذا لا بدايات استقرار ولا مقدمات بيئة تمكن السلطة ومؤسسات الدولة من العمل لتحقيق الصالح العام. من جهة ثالثة، يدفع الرئيس ومن حوله فى معرض تبرير إعلان الاستبداد بكون أجله الزمنى محدوداً أى مؤقت ولا يتجاوز بضعة أشهر (من شهرين إلى أربعة أشهر). لذا يطالب الرئيس (ولسان حاله، يا شعب مصر.. لن أستبد بك طويلاً) المصريات والمصريين بالصبر على الاستبداد المؤقت ويؤكد حسن نواياه ورغبته فى معارضة حقيقية وابتعاده عن الانفراد بالسلطة. هذا الخط التبريرى الثالث، ولم أستمع خلال الأيام الماضية إلى ما يجاوزه سوءاً، يفند ويستبين تهافته بتذكر أن بناء الاستبداد فى مصر الخمسينات والكثير من الخبرات العالمية عادة ما بدأ بحديث معسول عن لحظة استثنائية وفترة مؤقتة وأجل زمنى محدود تعود الأمور بعده إلى الاعتيادية ومن ثم الديمقراطية. وأبداً لم تعُد الأمور إلى اعتياديتها، بل طال أمد الاستبداد واستشرى كما فى مصر خلال العقود الستة الممتدة من 1952 إلى 2011. لا يوجد فى تاريخ البشرية استبداد مؤقت، كما لا يوجد فى تاريخها استبداد جزئى، لا بديل عن إسقاط إعلان الاستبداد الرئاسى.