جوانب كثيرة وتداعيات خطيرة للإعلان الدستورى الجديد، وأكتفى بالحديث عن ثلاثة منها هى التوقيت، والمصداقية، والخداع، فالإعلان متأخر زمنيا وموضوعيا عن متطلبات الثورة والثوار، ولايحقق أهداف الثورة فى الحرية والعدالة والاجتماعية، وإنما يختزلها ويشوهها فى بندين فقط هما إقالة النائب العام وإعادة المحاكمة، ولا يشير من قريب أو بعيد إلى تطهير الداخلية ومؤسسات الدولة واقتصاد الجيش، والأهم تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال فرض ضرائب جديدة على القطط السمان أو مصادرة أموال وممتلكات رموز النظام القديم. إذا كان الرئيس يريد أن يكون ثوريا «بجد» فعليه أن يعتقل رموز النظام والفاسدين، ويعزل قيادات الوطنى المنحل، لكنه لا يستطيع فهو ليس ثوريا ولم يعرف عن جماعة الإخوان طوال تاريخها إيمانها أو دعوتها للمنهج الثورى فى التغيير السياسى والاجتماعى. وإذا كان مرسى ثوريا فلماذا لم يصدر الإعلان الدستورى منذ شهرين أو أكثر عندما أطاح بالمشير وعنان؟ ولماذا تراجع عن قراره بتعيين النائب العام سفيرا بالخارج والتقى به، وأشاد بدوره، وأكد احترامه لرجال القضاء وللسلطة القضائية، التى جاء الإعلان الدستورى الأخير ليطيح بدورها الرقابى على السلطات. ثم كيف للرئيس الصادق المؤمن أن يقسم أمام المحكمة الدستورية على احترام القانون والدستور ثم يصدر إعلانا دستوريا يناقض فى مضمونه ما أقسم على الالتزام به. ولا بد هنا أن نذكره بوعوده الانتخابية بشأن إعادة تشكيل تأسيسية الدستور، وبحكومة ائتلافية وباحترام أحكام القضاء. هذه التناقضات لا تتعلق فقط بالشرعية بل تمس الالتزام الأخلاقى للرئيس وجماعته، وتفتح ملف الخداع والمخاتلة والتناقض بين القول والفعل فى الخطاب السياسى للرئيس وجماعته، الذى يتم تبريره دائما بمصلحة الجماعة والدعوة، وأحيانا الإسلام، فى هذا السياق يخدع الرئيس وجماعته الناس بشعارات وإجراءات تدعى الثورية لكنها فى الحقيقة محاولة لفرض الاستبداد وتكريس حكم الفرد والجماعة، لأنه لا توجد علاقة بين رفع معاشات مصابى الثورة وإعادة المحاكمات والسكوت عن ممارسات الداخلية ضد شباب محمد محمود، ولا توجد علاقة بين الثورة وتحصين الجمعية التأسيسية وقرارات الرئيس ضد الطعن أمام القضاء والمحكمة الدستورية. وليس من المنطقى القول إن الإعلان الأخير قصد به تحصين الدستورية والشورى وقرارات الرئيس من أجل استكمال الدستور وبناء مؤسسات الدولة، والتحول الديمقراطى لأن درس التاريخ يؤكد أن الاستبداد لا يقود إلى ديمقراطية، ولايمكن أن تبدأ بالاستبداد تحت شعارات ثورية لتحقيق ديمقراطية وعدالة اجتماعية، فالسلطة المطلقة التى يحوزها الرئيس حاليا هى مفسدة مطلقة، ولنا أن نتخيل مخاطر مستبد يمتلك كل السلطات ويتصرف بادعاء أن مرجعيته إسلامية، ويحظى بتأييد من جماعة الإخوان وحلفائها السلفيين. الديمقراطية باختصار لا يبنيها الاستبداد أو حاكم مستبد، ولا يمكن تبرير الاستبداد باسم المرجعية الإسلامية، أو أنه استبداد من أجل الديمقراطية!! وقناعتى أن قرارات مرسى وجماعته تسىء للإسلام والمسلمين، لأن مجمل خطابه وممارساته لا تقدمان نموذجا أخلاقيا فى الممارسة السياسية، أو الثورة، بل على النقيض تكشف عن أكاذيب وخداع وبرجماتية سياسية فى توظيف الشرعية الثورية وشرعية القانون والدستور بحسب مصالحهم، ومحاولات جادة لاستنساخ آليات الاستبداد التى استعملها مبارك مثل تخويف الناس، وخلط الأوراق، والمبالغات وتزييف الحقائق واغتيال الخصوم معنويا وشيطنتهم، فالقضاء فاسد، والمعارضة تخرب الوطن وتجرى وراء مصالح ضيقة، بينما مرسى وجماعته هم أول من يسعى لتحقيق مصالحه، واحتكار السلطة وأخونة الدولة. إعلان مرسى الأخير هو انقلاب على الشرعية الثورية التى اعتمدت على تعاون كل القوى والتيارات السياسية ضد مبارك، وهو انقلاب ضد حركة التاريخ ومعطيات الواقع، التى تؤكد أن حيل الاستبداد لن تنطلى على الشعب، وأن تحديات ومشكلات الوطن أكبر من قدرات أى فصيل سياسى، ما يفرض على الجميع وفى مقدمتهم الرئيس وجماعته تقديم تنازلات، والتوصل إلى صيغ للتوافق والعمل المشترك.