بادرت مصادر إسرائيلية -مع بدء الإعلان عن تنفيذ سلاح الجوّ الروسى غاراته على مواقع للمعارضة المسلحة السورية- إلى التأكيد أن الجانب الروسى التزم بوعد الرئيس بوتين لرئيس الوزراء نتنياهو، بالعمل على منع احتكاكات عملياتية واستراتيجية بين الطرفين، حيث أجرى وفد عسكرى روسى برئاسة نيكولاى بوغدانوفسكى نائب رئيس الأركان الروسى ونظيره الإسرائيلى نائب رئيس هيئة الأركان الميجور جنرال يائير جولان مباحثات فى تل أبيب لتنسيق الأعمال العسكرية بهدف تجنب الاحتكاك فى سوريا، فيما أكد الجيش الإسرائيلى أن الاجتماع الثنائى كان بهدف التنسيق الإقليمى، حيث كان كل من بوتين ونتنياهو خلال زيارة الأخير لموسكو قد اتفقا على إنشاء آلية تنسيق بين الجانبين لتجنب التصادم بين سلاحى الجو الروسى والإسرائيلى فى الأجواء السورية. ويكشف التنسيق الروسى الإسرائيلى إزاء ما يجرى فى سوريا أنه تم الاتفاق على التنسيق والإبلاغ المسبق عن طبيعة ومهام العمليات وتقييم الضربات فى سوريا و«التنسيق الكهرومغناطيسى»، وهو ما يفسر رغبة الطرفين فى منع التداخل فى الاتصالات اللاسلكية ونظم الرادار لتجنب أى مواجهات، وكذلك التنسيق فى عمليات بحرية فى البحر المتوسط قبالة الساحل السورى، حيث توجد لموسكو قاعدة بحرية كبيرة وكذلك تفادى وقوع اشتباك غير مقصود بين قواتهما، أثناء القيام بعمليات فى سوريا، ويبدو أن موضوع التنسيق الاستراتيجى إشارة إلى اتفاق الجانبين على ألا يشوش كل منهما على الاتصالات اللاسلكية للآخر أو نظمه، لتعقب الرادار وابتكار وسائل لتحديد هوية قوات كل طرف، من أجل تفادى أى صدام غير مقصود أثناء المعارك، وقد انبثقت عن الاجتماع الثنائى الأول بين الجانبين لجنة تقنية لوضع جدول أعمال اللقاءات المقبلة، ولجنة أخرى لتحديد آليات التنسيق بين الطرفين حول احتياجات ونشاطات كل منهما. وقد تحددت المطالب الإسرائيلية عقب إجراء الاجتماع التنسيقى الروسى الإسرائيلى فيما يلى: ■ مطالبة إسرائيل الجانب الروسى بمنحها نفوذاً استراتيجياً فى الجنوب السورى، على امتداد الحدود فى هضبة الجولان وكذلك فى الجنوباللبنانى. ■ الاعتراف بمكانة لإسرائيل فى هذه المنطقة هو الضمان لئلا يقدم أطراف الصراع فى سوريا، بما فى ذلك حزب الله اللبنانى، على المساس بإسرائيل واستخدام الأراضى السورية لشن حروب عليها. ■ الحصول على ضمانات روسية مباشرة باستمرار نشاطها العسكرى فى سماء سوريا، بدعوى منع نقل أسلحة سورية إلى حزب الله ومنع عمليات حزب الله فى الجولان ضد إسرائيل وتنفيذ غارات إسرائيلية أخرى فى سوريا. ■ تتوقع إسرائيل تسوية للأزمة السورية يكون لروسيا فيها دور مميز، فتطالب بحصتها فى ذلك ويتضح اليوم من التسريبات الإسرائيلية أن هذه المطالب باتت محددة وعينية وأن الخطوة التى تقوم بها روسيا، تحت ستار محاربة تنظيم داعش، تهدف - بالإضافة إلى إنقاذ النظام السورى - إلى تحقيق طموحاتها الدولية وتطلعاتها إلى القيام بدور متوازن على الساحة الدولية. ■ أن لروسيا مصلحة واضحة فى تجنب الصدام مع إسرائيل، لا سيما الصدام العسكرى. لذا، يبدو أن روسيا ستلتزم على الأقل، بالتنسيق العسكرى فيما تطالب وزارة الدفاع الإسرائيلية بأن على إسرائيل أن تفتش عن دور أكبر وأهم. ■ وفقاً للتقييم الاستراتيجى الإسرائيلى الرسمى فإن سوريا أصبحت اليوم، مقسمة داخلياً وكذلك مقسمة إلى مناطق نفوذ للقوى الخارجية. مع انتشار القوات الروسية، بات قطاع الساحل يخضع لنفوذها إلى حد السيطرة على المنطقة، وأما شمال سوريا، وخاصة القطاع الكردى، فيخضع للنفوذ التركى، بينما يخضع المسار الرئيسى لسوريا، من دمشق والحدود السورية اللبنانية، للنفوذ الإيرانى، بمساعدة حزب الله. وأما شرق سوريا فهو منطقة الحرب التى يخوضها التحالف الدولى بقيادة الولاياتالمتحدة ضد داعش، وأن المنطقة الوحيدة، التى لم تعلن أى جهة عنها كمنطقة نفوذ، هى المنطقة الجنوبية فى سوريا، بما فى ذلك مرتفعات الجولان التى تعتبر حيوية لإسرائيل كى تحافظ على حرية عملها العسكرى فيها وفى لبنان. ■ مطالبة الجانب الإسرائيلى بإجراء تقييم استراتيجى حول تأثيرات تغيير الوضع فى سوريا وإمكانية تجمع قوات المتمردين الجهاديين السلفيين فى جنوبسوريا المنطقة الوحيدة الخالية من النفوذ الفاعل للاعبين الخارجيين. ■ مطالبة عدد من جنرالات هيئة الأركان وزارة الدفاع الإسرائيلية بضرورة تعريف أهداف طويلة الأمد فى منطقة الشمال السورى بما فى ذلك الاستعداد للقتال دفاعاً عن حرية عملها العسكرى من أجل إنشاء منطقة نفوذ إسرائيلية فى الجنوباللبنانى وهضبة الجولان وجنوبسوريا. وخلاصة الموقف الإسرائيلى تجاه المشهد السورى عقب التدخل الروسى يتركز فى سعى الحكومة الإسرائيلية ألا تتجاوز القوات الروسية عدة خطوط حمراء وألا يتم نقل أسلحة للإخلال بالتوازن الحالى، وألا يتم استخدام أو نقل سلاح كيميائى، وألا تتم عرقلة مساعى إسرائيل لإحباط عمليات إرهابية موجهة ضد جنودها والإسرائيليين، ومن الواضح أن إسرائيل مهتمة بمصير مئات ألوف الدروز فى جبل الدروز جنوبسوريا، وذلك على خلفية قلق الدروز فى إسرائيل والجولان على أبناء طائفتهم، كما تعكس تداعيات التنسيق الروسى الإسرائيلى عدم ثقة الجانب الإسرائيلى بقدرة ونيات الولاياتالمتحدة بالحفاظ على مصالح إسرائيل الأمنية، وإذا كان رئيس الوزراء نتنياهو يرى أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما لم يدافع عن إسرائيل بما يكفى فى الاتفاق النووى مع إيران فى فيينا، فإنه يتشكك فيه فيما يتعلق بالملف السورى وتداعياته بصورة كاملة وأن الهدف الروسى -وفقاً للتصور الإسرائيلى- من القيام بالعمليات العسكرية الحالية لا يكمن بمحاربة تنظيم الدولة داعش، بل يُكرّس أيضاً بقاء نظام الرئيس السورى، ويمنع تقدّم فصائل المعارضة ويستبق محاولة تركيا تحديد مناطق حظر طيران فى سوريا، وهو ما كان من شأنه تقييد حركة النظام فى قصف مواقع المعارضة. وتبقى إشارة أخيرة تتعلق بالموقف الإسرائيلى تجاه حزب الله فى سوريا عقب التدخل الروسى، والتى تتخلص فى أنه تطلب روسيا من إيران تخفيض شحناتها من الأسلحة لحزب الله فى إطار مواجهة حزب الله لمهمة صعبة للحفاظ على مواقع نفوذه فى سوريا بسبب تعقد تبعات الحرب السورية، وعلى أساس أن المواجهة مع إسرائيل لا تزال الملمح الأساسى فى خطابات حسن نصر الله، لكن المشاركة فى سوريا والمعركة مع سوريا معناها تدفق آلاف من الكوادر على سوريا سبق وقاتلوا فى حلب والقلمون والجولان فى الجنوب، وهو الأمر الذى يؤثر على معنويات المقاتلين وقدرات الحزب. ومن الواضح أن ما بعد مرحلة العمليات الجوية سيتضح دور لحزب الله بالشراكة مع الجيش السورى حيث جرى تجهيز قوات ميدانية فى الحزب للمرحلة البرية المرتبطة بالنيران الجوية، وهذه القوى أصبحت موجودة فى سوريا وهى بآلاف يضاف إليها أعداد قد تزيد على ذلك من قوات إيرانية متحالفة إضافة إلى الجيش السورى. يبقى التأكيد على وجود إدراك للجانبين الروسى والسورى بوجود خطر إسرائيلى قائم من احتمال تمدد العمليات العسكرية فى غرب سوريا وهو أمر وارد بما يعرقل الجهود العسكرية والاستباقية التى تقوم بها إسرائيل لمنع تدفق السلاح الإيرانى إلى حزب الله.