قبل 120 عاماً اختصر عبدالرحمن الكواكبى قوانين الخلاص من الطغيان فى ثلاث جمل حاسمة قاطعة هى؛ الشعور بحاجة إلى التغيير، التغيير سلمياً، وأخيراً تصور البديل. المعنى ذاته تماس مع فكرة لديكارت دوّنها فى كتابه بالغ التأثير «مقال فى المنهج»، قال ديكارت: «لا تهدم البيوت القديمة مهما كانت سيئة فلا يفعل ذلك مهندس عاقل يعرّض أصحاب المنزل للريح والمطر، بل ابنِ البيت الجديد جيداً وعندئذ لن يعود أصحابه للقديم مرة أخرى». ما يحدث فى مصر اليوم ليس بناء جديداً ولا بديلاً لمنزل متهالك.. بل بقاء المنزل كما هو بقضبانه المتهالكة وأسلاكه العارية المكهربة، مع تغيير الساكن بآخر أكثر شراسة وخلفه ميليشيا تتحصن بالدين. تقوم الثورات الديمقراطية من أجل تمثيل كل شرائح المجتمع فى ما يُعرف بالخير العام عبر المشاركة فى الحيز العام وهو ما ترجمه الدستور الأمريكى فى عبارة «الحق فى السعادة»، لكن السعادة فى مصر تقتصر على فصيل يرى نفسه الأجدر بها، وطالما وصل للحكم فمن حقه احتكاره بحكم المغالبة، بل وراثته لأدوات الديكتاتور القديم، من إعلام تعبوى رسمى وسلطة تنفيذية وشرطة باطشة، وتبعية قضائية مباشرة للحكم. *** لنتامل مشهد القرارات الرئاسية الأخيرة ونتساءل.. ما معنى أن يحصن الرئيس قراراته من الطعن، وما معنى أن يحمى جمعية تأسيسية نتجت عن برلمان غير شرعى -بحكم قضائى- من الحل، وما معنى أن يحتفظ لنفسه بحق إصدار قرارات استثنائية دون مناقشة، وما معنى تسريب أخبار الرئاسة لتنظيم غير رسمى للتظاهر تأييداً للرئيس قبيل إصدار القرارات، وما معنى الثورة إزاء عودة هذه الصلاحيات شبه الإلهية للحاكم؟! *** بموجب قرارات مرسى الأخيرة يستطيع الاعتقال والبطش وإخراج لسانه للقضاء، وركن القضايا فى الأدراج. باستطاعته كبت حرية الإعلام ومصادرة الصحف، وجرّ مصر للقرون الوسطى، بمبرر حماية الثورة، وهو مصطلح فضفاض متسع، لا يوجد تعريف إجرائى واضح له، سوى نظرة تنظيم الإخوان إلى مصطلح ثورى، وهو المصطلح الذى سبق أن اعتبره القيادى العريان مساوياً لكلمة إخوانى، بل وصم الإخوانُ الثوار الحقيقيين فى مواجهة محمد محمود الأولى والثانية بألفاظ «مخربين» و«بلطجية» و«مدمنى ترامادول» و«فلول». مصر تعود إلى نقطة الاستبداد الأولى، قادها الحظ العاثر لتقع أسيرة مرة أخرى لتنظيم لا يهتم ولا يبالى بفكرة الحرية، هدفه إحكام السيطرة على الحكم وتطبيق مفهوم مشوه للشريعة، المهم أن يظل «إسلامجى» فى المنصب، فليس غريباً -على سبيل المثال- أن يتحدث محمد بديع عن التمكين الإسلامجى وهو بجوار سفاح مطلوب دولياً اسمه عمر البشير يقتل شعبه فى دارفور، بل يحكم بالتزوير والقمع منذ عشرات السنين. لا مكان فى مشروع الإخوان للحرية أو اقتسام الحق فى السعادة مع الشعب.. هو مشروع تمكين يقوده ساكن جديد فى منزل الاستبداد.