آخر ما كان ينتظره الجمهور والرأى العام المصرى على اتساعه، أن يجد نفسه الآن على مسافة أمتار زمنية معدودة من معادلة انتخابية هى الأكثر كشفاً والأعقد تلغيماً، وهى معادلة أنتجتها المرحلة الأولى من تلك الانتخابات البرلمانية ووضعت شخصيتين فى منافسة الإعادة بإحدى الدوائر الشهيرة وتضعنا معها فى مفارقة مكثفة، إحدى الشخصيتين أكاديمى متخصص فى السياسة ونشاطه البحثى فى هذا المجال مرموق بما يسمح لاسمه أن يلمع، وهو لامع ومعروف للكافة بالفعل، والشخصية الثانية نموذج لمشوار مرتبك من التناقضات مرت به الساحة السياسية والاجتماعية طوال أعوام ثلاثة مضت، الأول خاض معركة انتخابية سابقة لبرلمان ما بعد ثورة يناير وحقق فيها مفردات نجاح لافت وصلت به إلى المقعد النيابى ليجد المناخ السياسى ذاته قد أصابه عطب كبير، فطاله شخصياً بعض من هذا العطب، والثانى وفق معادلات السياسة البرجماتية يضعه حزب يروج لنفسه كونه حزباً يحمل رؤى بديلة وحديثة على قوائم مرشحيه، مراهناً على عدد من المقاعد تضعه فى الصفوف الأولى، وإن كان من اللحظة الأولى هكذا يكون صناعة البدائل فالحزب قد طاله تشوه نفعى كبير. ما سبق يكتب فيه كثير لكنه مجرد نموذج وتفصيلة صغيرة داخل عملية انتخابية واسعة شملت آلاف الدوائر لكن التضاد الحاد فى الشكل والمعنى يبرز الرسالة ويفسر محتواها، فقد كان هناك رد ما حول وصول الشخص الثانى لجولة الإعادة على مجموعة المنزعجين بأن أصوات ناخبى الدائرة هم من أوصلوه لجولة الإعادة وقد يصلون به لمحطة النجاح فلا مجال لتنظير المتقعرين، لكن حقيقة ذلك من دون تقعر أن نجاحاً كهذا يشكل نتيجة مذلة لنا ولمشوار السنوات الثلاث العصيبة ولأحزاب تدعى أن هذا عمل سياسى، فهذا المشهد لم يكن وحده على الساحة، فقد كان المماثل إزعاجاً أن المال السياسى الذى أنفق فى شراء أصوات الناخبين اعتمد نفسه هذه المرة كأحد آليات العمل السياسى المشار إليه، واستخدمه المرشحون الصالح منهم والطالح كونه فرض عين، العازف عنه لا مكان له تحت مظلة السياسة ولا يفهم أدبياتها ونصيبه الخسران والأفول. مساحة هذا المال واتساع تبريرات تداوله وتأويل قدرات نفوذه هى صورة مذلة أخرى سيحملها الفائزون فى طريقهم للمقعد الحلم، ولأن الخطيئة تلك ذات طابع مزدوج وللناخب فيها نصيب فقد ظهر على حوافها بعض من نقاط الضوء وتأويل شريف مغاير لما يراد اعتماده، فى إحدى مدن محافظة بنى سويف نظم مجموعة من الشباب والمثقفين مؤتمراً جماهيرياً يناقش خطورة وإثم المال السياسى، من دون أن يمثلوا مرشحاً بعينه أو تابعين لقائمة معينة وعقدوا أمام الحضور مقاربة للتوعية ما بين هذا وبين منهج أحزاب التيار الإسلامى التى وصمت طويلاً بهذا الفعل، وكان الحديث هناك للناخب قبل المرشح واصفاً فعله بالخيانة والخسران مفسراً وشارحاً وباعثاً إلينا بأن نقاط الضوء حاضرة حتى وإن جاءت محدودة فى طريق يشوبه ظلمة كثيفة. النظام بوقوفه فى منتصف الطريق من تلك العملية الانتخابية سمح لعدد من القوائم والأحزاب أن يستثمروا ويروجوا أنهم الظهير الذى يخجل النظام أن يعلن تمثيلهم له، وحضور العديد من الأسماء والمواقف التى تصب فى صالح هذا الطرح المرتبك سيحمل النظام وزر هذا الناتج برمته وهو كان فى غنى ورفعة عن هذا تماماً، الفكرة وإن ولدت براقة وهى تتحدث عن ظهير سياسى لرئيس هو بشخصه وأدائه وشعبيته الراسخة لليوم، يمثل ظهيراً حقيقياً للوطن هكذا يتعامل معه المصريون، تحركت الفكرة أو بالأدق تركت لتنزلق ككرة الثلج لتسحب معها كل ما لم يكن مطلوباً واعتمدت فى تفاصيلها على ذات الأسلحة التى تراهن على الانتصار، فى الوقت الذى راهن المصريون على أن دولة 30 يونيو بالرئيس وأجهزته الفاعلة قادرون على إنتاج مشهد أفضل وأجود من هذا المطروح بكثير، وما بين المأمول والطموح وبين المنتج المرتبك نقطة منتصف أبرزت الخطأ ونزعت الآمال فى مشهد سياسى بدا عجوزاً قبل أن يولد.