بعد ثلاثة أيام من الكتابة عن الحرب الإسرائيلية على غزة وثوابتنا الوطنية وعن جريمة قتل أطفال مصر فى أسيوط، أعود إلى تناول قضية الدستور والجمعية التأسيسية ومسودة النص الدستورى، أعود إلى قضية الدستور على وقع تطورات مهمة ترتبط بالأساس بموجة الانسحابات الأخيرة من الجمعية، وإليكم وفى نقاط محددة رأيى: 1 - عمقت موجة الانسحابات الأخيرة من الجمعية التأسيسية، من قِبل عدد من أعضائها من ممثلى الأحزاب والتيارات المدنية ومن ممثلى الكنائس المصرية وكذلك استقالة معظم أعضاء اللجنة الاستشارية، من أزمة فقدانها للشرعية الأخلاقية والسياسية. غياب التوافق، ومنذ اللحظة الأولى، عن تشكيل الجمعية غير المتوازن ورفض قطاعات مؤثرة فى المجتمع للنص الدستورى الذى تعده يضاف لهما الآن انسحاب أعضاء يشكون صراحة من «سلق الدستور» وهيمنة الإسلام السياسى على الجمعية وانسحاب مستشارين ينتقدون عدم أخذ رأيهم بجدية، يضاف أيضاً انسحاب ممثلى الكنائس المصرية، وهم أنيط بهم دور التعبير عن رؤية ومصالح المصريات والمصريين المسيحيين بشأن الدستور بعد أن أعطيت الكنائس حق تمثيلهم فى «التأسيسية». 2- بعيداً عن حرب البيانات والمؤتمرات الصحفية الدائرة الآن، لن تنجح أحزاب الإسلام السياسى المسيطرة على الجمعية التأسيسية فى تجاوز أزمة فقدان الشرعية الأخلاقية والسياسية بالتشكيك فى مواقف المنسحبين وفقط. فالنص الدستورى الذى سيخرج من هذه الجمعية لن يصبح أبداً محل توافق وطنى ودفعه للاستفتاء الشعبى سيضع مصر وحياتنا السياسية مع مخاطر بالغة. التشكيك فى مواقف المنسحبين ومواصلة العناد، بالتأكيد على أن الجمعية ستواصل عملها وتنهى الدستور، ليسا بكافيين إلا إن كانت أحزاب الإسلام السياسى تريد استباحة الدستور وتحويله ل«نحن فى مواجهة كل الآخرين» من أحزاب مدنية وتيارات وطنية ليبرالية ويسارية ومؤسسات مركزية فى مجتمعنا كالكنائس. 3- أعلم أن الطرح المقدم من المنسحبين مؤخراً، ومن الأحزاب والتيارات والشخصيات المستقلة التى رفضت «التأسيسية» منذ اللحظة الأولى وأنا بين هؤلاء، والمستند إلى ضرورة إعادة تشكيلها يرفضه الإسلام السياسى. أدرك أن رئيس الجمهورية، وعلى الرغم من مطالبات متكررة وجهناها له لإعادة التشكيل والوفاء بوعد انتخابى قطعه قبل أن يحسم الانتخابات الرئاسية لصالحه، يرفضه أيضاً فإن أزمة فقدان الشرعية الأخلاقية والسياسية ل«التأسيسية» والمخاطر المرتبطة بغياب التوافق عن الدستور تحول مجتمعةَ، إن كان الهدف هو مصلحة مصر، دون تجاهل ضرورة إعادة التشكيل. 4- تفرض كذلك إعادة التشكيل إلاشكاليات الكبرى التى تطرحها مسودة الدستور الحالية (النسخة الأحدث بتاريخ 11 نوفمبر 2012). هى إشكاليات تتعلق بالهندسة غير الديمقراطية للسلطات العامة ونظام الحكم وبالعصف بالحقوق والحريات الشخصية والاقتصادية والاجتماعية وبتجاهل المواثيق والعهود الدولية الملزمة، هى إشكاليات ذات صلة بمكون الدولة والدين فى مادة الأزهر (المادة 4) والمادة المفسرة لمبادئ الشريعة الإسلامية (المادة 220) ومواد أخرى، نحن أمام إشكاليات تحتاج لمواجهة جادة، وليس بالتشكيك فى المواقف وحرب البيانات والإمضاءات. وأؤكد للرأى العام أن الإشكاليات هذه لا ينبغى أبداً أن تختزل إلى مكون الدولة والدِّين، فهى تتجاوزه، وخطورة الهندسة غير الديمقراطية لنظام الحكم واستمرار الاستبداد الرئاسى والوضعية الاستثنائية للجيش بالغة. 5- لتجاوز أزمة «التأسيسية» والوصول إلى تفاهمات بشأن إشكاليات المسودة، لا بديل عن حوار وطنى واضح البنية والأجندة والأهداف تدعو له المؤسسة المنتخبة ذات الشرعية: «الرئاسة»، هذه هى مسئولية رئيس الجمهورية تجاه مصر وحياتنا السياسية وحقنا فى دستور توافقى لا مغالبة ولا عناد بكتابته ولا باستفتاء الشعب عليه.