كثيرون هم من أرَّخوا للسينما فى العالم، تشهد بذلك رفوف المكتبات الخاصة والعامة التى تحتشد بآلاف العناوين، تتناول تاريخ السينما على المستوى الدولى والمحلى أو كليهما معاً، بعضها يسرد الوقائع والآخر يحاول تحليل مسيرتها التى غيَّرت من طبائع وسلوك البشر، حيث أصبح العالم بعد اختراع السينما غيره قبلها. صحف ومجلات.. كتب ونشرات وموسوعات، مؤرخون ونقاد يتابعون بشغف ودأب، تاريخ الفن السابع، نجومه وأفلامه، صعوده وتراجعه.. تطوره فنياً وتكنولوجياً، كل وفق رؤيته للسينما وحسب فكرته عنها وعن دورها. اعتمدت المكتبة السينمائية العربية، لفترة طويلة، على الترجمات أكثر من اعتمادها على قراءة هذا التاريخ بعيون عربية، وهو ما أقدم عليه، بقلب شجاع، الناقد والكاتب السينمائى السورى المولد، مصرى الإقامة، عروبى الهوى الدكتور رفيق الصبان، صاحب الخبرة الطويلة والعميقة فى متابعة الفنون عموماً والسينما خاصة، فهو وإن كان ابناً باراً لفن المسرح كمؤلف ومخرج قدم العديد من الأعمال على خشبة المسرح السورى، إلا أنه منذ أن نقل نشاطه إلى مصر فى بداية السبعينات، استطاع مع عمله الأول ككاتب سيناريو أن يدشن اسمه على خريطة السينما المصرية بفيلم «زائر الفجر» إخراج ممدوح شكرى 1973، إحدى العلامات الأساسية فى تاريخ الفيلم السياسى المصرى. تتابعت كتابات د. رفيق للسينما لتصل إلى 25 فيلماً تقريباً والعديدمن المسلسلات التليفزيونية، وفى رأيى أن إسهامه الحقيقى حيث الحضور الأكثر قوة، والدور الأكبر تأثيراً، جاء عبر طريقين، أولهما إنجازه البارز والمهم كأستاذ لمادة السيناريو بالمعهد العالى للسينما وتدريبه لطلابه على التمسك بحقهم الكامل فى حرية التعبير، والطريق الثانى عبر كتاباته النقدية ومؤلفاته وترجماته لعناوين منتقاة من الكتب السينمائية عن اللغتين الإنجليزية والفرنسية. لم يدّعِ رفيق الصبان فى مؤلفه الأخير «السينما كما رأيتها» أنه يؤرخ للسينما، لكنه بتواضع شديد راح يحكى قصة السينما كما عاشها وأحبّها معتذراً فى مقدمته عن أنه «لا يمكننا أن نضع ماء البحر كله فى زجاجة واحدة». بأسلوبه المميز، ولغته الرصينة، وحسه المرهف، راح يحلق مع القارئ فى آفاق ذلك التاريخ نافذاً إلى جوهر اللحظة التاريخية، من وجهة نظره، مطلاً على المحطات الرئيسية من جريفث إلى شابلن فى فترة السينما الصامتة، مبحراً إلى القارات الخمس يرصد تطور الفن والصناعة بها، ملاحقاً لخطى فنانيها العظام من اليابان، إلى هوليوود، مروراً بأوروبا وآسيا وأفريقيا، مرتاداً مناطق التجديد من «الواقعية الجديدة«، فى إيطاليا الأربعينات و«الموجة الجديدة» فى فرنسا نهاية الخمسينات إلى سينما الدوجما فى التسعينات، ملاحقاً للسينما الهوليوودية الأمريكية فى فترات الازدهار والانكسار متابعاً لمحاولاتها المستمرة والمستميتة للسيطرة على سوق السينما فى العالم. ربما يأخذ القارئ على المؤلف وهو المتابع الدؤوب لكل إنتاجات السينما فى مصر والعالم العربى أنه لم يولها ما تستحق من اهتمام، فما ورد عنها فى الكتاب لا يعدو مجرد شذرات متفرقة وإشارات سريعة وعجالات مبتسرة، مبعثرة بين الفصول لا تشبع نهم القارئ، وربما ادخرها «الصبان» لكتاب جديد عن «السينما العربية كما رآها». «السينما كما رأيتها» قراءة ذاتية بروح موضوعية، لتاريخ السينما فى العالم، وضع فيها رفيق الصبان -شفاه الله- عصارة خبرته وثقافته الموسوعية.. ورأى السينما بعيون عربية تمتلك حدة البصر، ولا تخلو من البصيرة.