الجدل الذى أثير حول خطبة فضيلة العالم الشيخ القرضاوى بالجامع الأزهر كان مرجعه إلى الاختلاف حول انتماء الشيخ، فالبعض يرى أنه عالم أزهرى وعضو فى هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث والأمر طبيعى جداً، والبعض يرى أنها سلسلة مرتبة بدقة لتلميع الأزهريين المنتمين للجماعة تحت الغطاء الأزهرى، كما الحال مع د. عبدالرحمن البر، لتصعيد هؤلاء للمشيخة والإفتاء. يعنينى هنا العلامة القرضاوى.. والإجابة عن انتمائه فيها شىء من التعقيد؛ لأن الشيخ أزهرى لكنه ليس خالصاً فى انتمائه إلى الأزهر الشريف ومنهجه ومكوناته، ولا يستميت فى كتبه ومحاضراته فى الدفاع عن الأزهر، كما يستميت أتباع كل منهج فى الدفاع عن منهجهم، وليس كذلك إخوانياً صرفاً ينتمى إلى التنظيم، ويقف عند حدود السمع والطاعة، والحق أن وجوه الشيخ الجليل تعددت وتشابكت ما بين مستوى فكرى وسطى هو فيه أزهرى، ومستوى حركى هو فيه إخوانى. ظهرت أزهريته فى معظم القضايا الفقهية والمنهجية، الخاصة بعقيدته الأشعرية، وكتاباته عن: مقاصد الشريعة، وفقه الأولويات، والإسلام والفن، والحلال والحرام، وفقه الزكاة، وغير المسلمين فى المجتمع الإسلامى، والفتوى بين الانضباط والتسيب. وظهر انتماؤه للإخوان فى مذكراته، وفى الفتاوى السياسية التى نبعت من ميوله الإخوانية، متأثراً بمشاركته فى عملية التأطير والتكوين للجماعة داخل محاضنها التربوية الخاصة، وباتساع دوره من خارج مصر فى تحصين الإخوان من الضربات المتلاحقة، فقدم فى بعض الأحيان الوقود للمعارك الإخوانية على حساب القواعد الشرعية والمصالح الكلية. يخرج القرضاوى عن الحركة حين يقول عن الإخوان: «إنها جماعة تخاف من العقلية المثقفة الواعية، وتربى أفرادها على السمع والطاعة، لا على الثقافة والفكر»، وحين يصف بعض أعضاء مكتب الإرشاد ب«المتردية والنطيحة»، وحين يدخل معركته الشهيرة التى انتقد فيها «سيد قطب» رحمه الله صراحة، وتحمل الهجوم الشديد الذى تحول إلى سب وقذف (يراجع فى ذلك مقالات د. محمد عباس)، بعد أن تأثرت جماعة الإخوان خاصة فى النصف الثانى من عقد الستينيات بهذه الأفكار (تراجع شهادة د. أبو الفتوح)، ولم يدخل طرفاً فى معركة حزب الوسط الشهيرة مع الإخوان، وأيد أبوالفتوح على حساب مرسى، ومع كل ذلك تجاوز التنظيم وانتقده، ولم يخرج منه، ولم يدخل فيه، إنها علاقة فريدة ومعقدة ومتشابكة. يقول المرحوم حسام تمام: «انفرد القرضاوى بالقدرة على صياغة علاقة فريدة مع التنظيم الإخوانى تتجاوزه دون أن تصطدم به، فانتمى للخط العام للحركة والولاء لقيادتها دون الارتباط بمشروعاتها الجانبية، واستطاع أن يحدد، وبدقة، متى يبدأ العمل التنظيمى ومتى ينتهى فى حياته، وأين يلتقى معه، وأين يبتعد عنه. وانتقل فى علاقته بالتنظيم من موقع الانضباط التنظيمى إلى المحرك الحر، دون أن يقع أسير منطقها التنظيمى، لذا فقد ظل الجميع يعرفونه كواحد من الإخوان دون أن يسألوا عن موقعه التنظيمى». ثم هو يدعو الإخوان للتوغل فى قلب الأزهر، وغزوه من الداخل، ويرى أن ذلك يحقق جملة من المكاسب، منها: عدم التشويش على الحركة، أو تشويه صورتها فى أذهان العوام، والاستفادة مما لدى المؤسسة الأزهرية من إمكانات التغلغل والتأثير، وإضفاء الشرعية الدينية على مطالب الحركة الإسلامية. والشيخ يتمنى أن يرى الإخوان والأزهر الشريف يداً واحدة، الأزهر بعلمه ووسطيته، والإخوان بالحركة والتنظيم، فإن حدث تعارض بينهما فإنه للأسف يقدم الحركة على الأزهر، وهى النتيجة التى توصلت إليها فى حل إشكالية جدلية الشيخ بين الأزهر والإخوان.